صمدت غزة طيلة سنتين حمراوتان من كثرة الدم المراق صمودا أسطوريا ولا تزال صامدة، وعجز الاحتلال خلال السنتين من الحرب التي لم تهدا عن تحقيق اهدافه المعلنة بسحق المقاومة وإطلاق سراح الاسرى الذين اسرتهم في مطلع الحرب وخلالها دون قيد او شرط وبالقوة، وكذلك لم يستطع تحقيق الاهداف التي استجدت من تهجير اهل غزة الذي لا زال عمرا مستعصيا على حكومة الاحتلال فمن بقي منهم ولا زال أضعف مضاف اعطي عما غادروها او سيغادرها.
ولعل هذا الصمود الاسطوري والبطولة التي بذلها المقاومون والصبر الذي احتملته الحاضنة الشعبية للمقاومة كان احد اسباب الوصول الى اتفاق شرم الشيخ اول امس الاربعاء لكن يسبق ذلك السبب ان لم يضاف اليه رغبة دونالد ترامب العارمة في الحصول على جائزه نوبل للسلام وكذلك رغبته بإطلاق سراح الاثر الاسرائيليين وتسليم رفات من مات منهم ،الامر الذي يراه مريحا على المستوى الداخلي الاسرائيلي لصديقه نتنياهو والذي لا يبدي اهتماما بالغا في هذه المسالة باعتبار بقاء هؤلاء الاسرى في حوزة المقاومة يخدم اهدافه في اطالته امد الحرب.
ذهاب المقاومة في غزة لهذا الاتفاق تكاد ان تكون مجبرة، فمن جانب تريد سحب الذرائع الأمريكية- الاسرائيلية- العربية الابراهيمية التي تظهرها و كأنها السبب وراء استمرار الحرب و الابادة والجوع ، لكن الذي مارس عليها اقوى الضغوط كان حليفيها الاساسيين، الاتراك والقطريين، فالأتراك الذين طالما سمعنا منهم اتهاماتهم لنا بخيانتهم في الحرب العالمية الاولى و قولهم الدائم (عرب خيانات)، و اذا بهم اليوم هم من يبيع المقاومة وحليفتهم حركة حماس مقابل الطائرات الامريكية الحديثة و مقابل تقاسم الارض السورية مع (الاسرائيليين) و اثمان اخرى في شرق الفرات، فيما قطر تريد ان تعتمد كقناة واشنطن تجاه الاسلام السياسي مما منحها
وسيمنحها دورا يفوق حجمها وقدراتها وان تناسب مع مقدار ثروتها وهداياها للرئيس الامريكي، فيما باقي النظام العربي يعرف مما سبق لترامب قوله في العلن: قلت له عليك ان تدفع وانت تعلم إنك لا تستطيع البقاء بالحكم أكثر من اسبوعين لولا حمايتنا لك. والاعجب من كل ذلك ان مجلس السلام العالمي الذي سيرأسه دونالد ترامب بصفته الشخصية ويديره سيء الصيت والسمعة طوني بلير لا يوجد به مكان لفلسطيني حتى ولو كان متوائما مع الرؤية الامريكية الاسرائيلية، فيما باقي أعضاءه المتداولة اسماءهم في غالبيتهم من المطورين العقاريين او من اصحاب شركات الهواتف المتجولة واصحابهم.
يقول وزراء وازنين في حكومة الاحتلال انه في حال توقف القتال فان هذا يدعونا للإسراع في اعادة التموضع في الضفة الغربية ونقل مسرح العمليات اليها تمهيدا لضمها وقمع اية محاولة مقاومة فيها،
ولكن السؤال: هل سيوقف ذلك حرب الإبادة او حرب المجاعة التي تعلنها اسرائيل وحلفائها من غرب وعرب على غزة ام ان هذا الاتفاق ليس الا وقت مستقطع ستعود من بعده الحرب الى اشتعالها هذا إذا كانت قد توقفت بالأصل؟ والحقيقة فقد راهن كثيرون على ان الوصول الى اتفاق وقف إطلاق النار امر صعب وغير وارد برغم ما كان يصدر عن الرئيس الامريكي من تأكيد، ولا زال هؤلاء وكاتب هذا المقال أحدهم، يرون ان الحرب لم تنته والابادة مستمرة والمجاعة متواصلة وان تم توقيع الاتفاق الذي له وظيفة لا تنهي الحرب وانما تعيد تدويرها من جديد.
اعادة التدوير لن تقتصر على غزة وانما على الامة جمعاء في سورية التي تتعرض لأخطار داهمه بتقاسمها بين انقرة وتل ابيب وعلى لبنان والعراق وعلى الاردن الذي يراه الاسرائيلي وطنا بديلا ثم على من يدعم المقاومة من اليمن الى طهران.

