ماذا إن بقيوا دون علم؟

ماذا إن بقيوا دون علم؟

أزمة تعصف بلبنان على الأصعدة كافة، والانهيار يطال كل مجالات الحياة وليس فقط الليرة، وإن كان الجميع يعلم أنّ قرار الانقاذ، كقرار الانهيار، يأتي من الخارج، فإنّ بعض القطاعات إنقاذها أصعب من غيرها، ويحتاج لوقت أكثر.
وإن تحقّق الهدف، وأعطِيَ الأساتذة مطالبهم، وفتحت المدارس الرسميّة أبوابها من جديد، فمن ينقذ التلامذة؟
فقد تعرّض القطاع التربوي في لبنان لضربات متتالية، بدأت مع الثورة وإقفال المدارس، وبعدها فيروس كورونا، وثمّ اضراب الأساتذة، وبالتالي نكون أمام أربع سنوات مبتورة، فقدَ التلامذة فيها علمًا أكثر ممّا حصّلوا.
أمام هذا الواقع الأليم، يفرض سؤال جوهري نفسه، ما مصير هؤلاء الشبان والأطفال والذين فقدوا الكثير من المهارات والمعلومات والدروس؟
ليس فقط تلامذة المدارس الرسمية من يعانون من هذه الأزمة، فتلامذة المدارس الخاصة تعرضوا لهذه المشكلة ولو بنسبة أقل، فالتعليم “اونلاين” والتسكير الذي فُرض بسبب كورونا قد أثّر أيضًا على هؤلاء.
فكلّ أستاذ يلاحظ أنّ التلاميذ ينقصهم الكثير ويعانون لمتابعة المناهج سنة بعد سنة، ويسابق هؤلاء الوقت لتعويض ما فاتهم، لكنّ الأمر يبدو شبه مستحيل، وهم يعانون من الإرهاق النفسي والجسدي.
وإن كان وزير التربية يطالب بعودة المدارس من أجل إجراء الامتحانات الرسمية متحجّجًا بالتلامذة الذين ينوون السفر للالتحاق بالجامعات في الخارج، يتساءل كثيرون عن كم المعلومات التي سيحملها معهم هؤلاء، وكم سيعانون لتعويض ما فات واللحاق بمناهج تلك الجامعات.
وإذ كان لبنان يتباهى بثقافة أبنائه وتفوقهم، وبمناهجه الغنية، فما الذي سيبقى بعد أن ضُرب التعليم في مقتل؟
المشاكل لا تقتصر على تلامذة الصفوف الثانوية، فحتى في الصفوف الأدنى، فالأزمة مستمرة، وينتقل التلميذ من صف إلى صف وهو يحمل معه القليل القليل من المعلومات والكفايات.
المشكلة الأكبر هي أنّ مصير التعليم، خاصة الرسمي ما زال مجهولًا، وكان المطلوب بداية العام، العودة إلى المناهج الأساسية، دون أي اختصار واختزال، الأمر الذي من المستحيل تطبيقه، فعام دراسي كامل وطبيعي لا يكفي لتعويض ما فات، وتقديم المنهج كاملًا، فما بالكم بعام فيه إضرابات وتعطيل بسبب عواصف وزلازل وأزمات؟
ناقوس الخطر يقرع بعنف في المدارس والتعليم، الأهل يتهمون الأستاذ، والأستاذ يتهم الإدارات والدولة، وإن كان الأستاذ ضحية أزمة اقتصادية، فالتلامذة هم الضحية المتعرّضة للظلم الأكبر.
فلو صلُح الحال في لبنان، وعادت الأمور طبيعية، هل ستُتخذ إجراءات لتدارك الأزمة، أم سنرى قرارات عشوائية كالتي رأيناها بداية هذا العام، وهل ستتم العودة لمناهج كاملة، دون دراسة، ودون الأخذ بعين الاعتبار ما فات، والنواقص، وكل الضغط الذي يتعرض له الأساتذة والتلاميذ؟
وهل يلتفت أحد إلى الفارق الشاسع بين تلامذة التعليم الخاص والتعليم الرسمي، خاصة أن التعليم الخاص بدأ قسم كبير منه يتعافى، في مقابل استمرار الانهيار في القطاع الرسمي؟

ريتا الصياح