أعلنت مجموعة من الدول اعترافها بدولة فلسطين وهو الامر الذي كان متداولاً ومعروفاً ولم يشكل مفاجأة لاحد برغم ان هذه الدول كان لها اليد الطولي في قيام المشروع الصهيوني وفي اقامة دولة الاحتلال، وهي دول اعضاء في حلف شمال الاطلسي فهل ستقود هذه الاعترافات إلى إقامة دولة فلسطين وهل ستؤدي هذه الاعترافات إلى وقف حرب الإبادة في غزة أو إلى وقف إجراءات ضم الضفة الغربية التي تم تنفيذها على ارض الواقع وان كان الاعلان عنها قد تأخر.
وبما ان القوة هي القول الفصل في السياسة وفي إثبات الحق القومي أو إنكاره، فالاعترافات التي لا تدعمها القوة لن تكون أكثر من حبر على ورق ومن يملك القوة هو من يستطيع ان ينفذ قراراته، وفي هذه المساحة هو فقط الولايات المتحدة ودولة الاحتلال التي لا تجد اليوم من يتحدى غطرستها الا اليمن الشجاع وغزة الصغيرة التي اكلتها الحرب ولا تزال تقاوم وتقول لا برغم ضعف الامكانيات وغياب النصير.
كان الامر واضحاً في واشنطن وتل ابيب ان لا دولة فلسطينية ولا باي شكل من الاشكال، وان دور السلطة الفلسطينية قد حدد بشكل دقيق في اتفاق اوسلو عام 1993 وعلى ان يقتصر على ادارة السكان والحفاظ على الامن (هكذا ورد حرفيا بالنص) ولا ذكر أو حديث عن دولة أو دور سياسي للسلطة الفلسطينية على الاطلاق، وان الادارات الأمريكية والحكومات (الإسرائيلية) كانت في السابق تغض النظر على ان الخطاب الرسمي الفلسطيني الذي يتحدث عن دولة وعن طوابع بريد وجوازات سفر وموسيقى سلام الوطني وما إلى ذلك من مظاهر الدولة طالما انه كلام بكلام، ولكن الوقت برايهم قد جاء لان يصبح حتى هذا الكلام غير مسموح به الامر الذي جاءت اشاراته الواضحة عند رفض وزارة الخارجية الأمريكية منح الرئيس الفلسطيني تأشيرة دخول للولايات المتحدة الامريكية لحضور جلسة الجمعية العمومية يوم الاثنين الماضي و التي استعاض عنها بكلمة مسجلة استجاب فيها لكامل شروط الدول المعترفة بالدولة العتيدة، وكذلك التعليمات التي صدرت للقنصليات الأمريكية بعدم التعامل مع جواز السفر الفلسطيني.
جاءت الردود (الإسرائيلية) الأولية سريعة وعديدة وذات تأثير بالغ برغم انها في بداياتها اولها كان بإغلاق الجسر الواصل ما بين الضفة الغربية والاردن وهو المنفذ الوحيد للفلسطينيين، الامر الذي يجعل من الضفة الغربية سجنا محكم الاغلاق على من فيه، ويحول دون عودة من كان خارجه اليه، وجاء الرد ايضا على شكل تسعير الاستيطان واعطاء البوابات التي قارب عددها الالف بوابة ،الوانا سوداء وحمراء وصفراء وبرتقالية مع تحديد مواصفات المرور عبر كل منها مما يجعل من هذا السجن الضغير مجموعة من السجون الاصغر غير المتصلة ببعضها البعض، وجاء في بيان عسكري لجيش الاحتلال يوم امس الخميس انه تم قصف 170 هدف في غزة خلال 24 ساعة وترافق ذلك مع استشهاد عدد من الشبان في الضفة الغربية، والاعجب ان اجراءات جديدة ستتخذ لسحب بطاقات الشخصيات المهمة (vip ( من عدد من شخصيات السلطة ومنظمة التحرير والحزب الحاكم، الامر الذي راته الصحافة الاسرائيلية انه سيكون الابلغ اثرا، طبعا كل ذلك هو بدايات ولكن ما سيكون اكثر عندما يعود بنيامين نتنياهو من الولايات المتحدة اليوم الخميس أو غدا الجمعة.
مساء الاربعاء استقبل ترامب بحضور المبعوث ويتكوف مجموعة من القادة العرب الذين شاركوا في جلسة الجمعية العمومية الاثنين الماضي، و اعلن لهم عن رؤيته في الشأن الفلسطيني و هي تتلخص حسب ما ورد على لسان سياسيين عرب بايفاد عساكر لغزة على ان يكون معظمها من دول عربية و بتمويل عربي الذي سيشمل موازنات الادارة الجديدة لغزة و التي تستثني المقاومة من أي دور، و حسب اقوال من حضر و ما اوردته الصحافة ان القادة العرب اشترطوا عليه ( و في الاشتراط مبالغة لا تحتمل و قد يكونوا تمنوا عليه)، ان لا يتم ضم الضفة الغربية أو بقاء جيش الاحتلال في غزة و عدم اقامة مستوطنات فيها، ثم بوقف اقتحامات المستوطنين للمسجد الاقصى، و جدير بالذكر انه بعد ساعات من هذا اللقاء كان آلاف المستوطنين يقتحمون المسجد الاقصى بحماية الشرطة.
في جانب ثان احتفل النظام العربي الرسمي بهذه الاعترافات التي اعتبرها امرا عظيماً وان الدولة الفلسطينية يكفيها الاعتراف بها لتصبح دولة وان لا تملك ارض ولا يعرقل هذا الاحتفال وبهجته الا وجود المقاومة في غزة التي عليها ان تغادر المشهد وهو شرط من شروط الاعتراف خاصة الاوروبي الغربي، كما رأى النظام الفلسطيني الرسمي في ذلك انتصارا لدبلوماسيته وسياسة الانتظار والنأي بالنفس عما يجري في غزة التي اصبحت مقاومتها مدانة ومطلوب منها فلسطينيين ان تغادر المشهد لا الكفاح والقتال فحسب وانما السياسة طالما انها لا تعترف أو لا توافق على التزامات منظمة التحرير.
اما الفلسطيني الحزين فهو لا يبدي حفاوة أو حتى اهتمام بهذه الاعترافات التي يجدها من لزوم ما لا يلزم طالما انه لم يعد هنالك متسعا جغرافيا لإقامة الدولة حتى بالشروط الاوروبية ويرى ان حالته تزداد سوءا وابواب الهجرة مفتوحة على مصراعيها لجيل الشباب الاخذ بالهجرة، والاهم ان هذه الاعترافات لن توقف المجازر في غزة أو عمليات الضم في الضفة الغربية التي تجعل من حياة الفلسطيني جحيما لا يطاق.
الظرف ولا شك صعب، ولكن لابد من تعزيز امكانيات الصمود والبقاء وتقطيع الوقت إلى ان تنتهي هذه المرحلة الصعبة.

