من سيدي بوسعيد الى الدوحة

عند العودة الى التاريخ القريب فقد كان تأسيس مجلس التعاون الخليجي في سبعينات القرن الماضي يعد لخوف الدول الخليجية من العراق القوي وطموحاته، وبدأ المجلس اعماله متحالفا مع إيران الشاهنشاهية البهلوية، لكن بعد سقوط نظام الشاه ونجاح الثورة انقلب الوضع تماما مع مجلس التعاون الخليجي الذي حرض العراق وموله في حرب ضروس مع إيران الثورة دامت لثماني سنوات، استنفذت خلالها قدرات كل من إيران والعراق واسست للحالة التي يعيشها عراق اليوم.

 لا زال مجلس التعاون الخليجي يرى في إيران العدو الذي يحذره ويعتقد انه بتحالفاته مع الولايات المتحدة و (اسرائيل) يستطيع تحدي إيران، ولكن ما نلاحظه اليوم ان مجلس التعاون قد اضاف الى وظائفه وظيفة جديدة وكأنه لا يكتفي بان يكون ذليلا وتابعا وانما ان يعمل على ضرب من يرفض الذل والخنوع ومن يفكر بتحدي الارادة الامريكية (الاسرائيلية).

 في الخامس من ايلول الفائت كتب أحد الباحثين (الاسرائيليين) في مجال الامن القومي مئير بن شابات ان جميع قيادات حركة حماس هم عرضة للاستهداف الاسرائيلي ويبدو انما كتبه الباحث قد جاء مترافقا لاستهداف اسرائيل لقيادات في حركة حماس مقيمة في تركيا وقطر في ذلك التاريخ.

اسرائيل عربدت وتعربد في الاقليم طقس في ايران وتضرب اليمن ولا تستثني سوريا ولبنان اضافة الى حربها في غزة وفي الضفة الغربية لكن ما استجدت كان يوم الاثنين اذ تقول الحكومة التونسية ان عدوانا (اسرائيليا) قد استهدف احدى السفن التابعة لأسطول الصمود العالمي الراسي في ميناء سيدي بوسعيد اما في اليوم الثاني فقد شهد عدوانا اخر على سفينة اخرى كما على الدوحة حيث كان الوقت الفلسطيني المفاوض يعقد اجتماعه ، هكذا اصبحت دائرة الاستهداف من الشمال الافريقي الهادر سابقا الى الخليج الذي افترض الاعلام العربي الحماسي انه كان ثائرا ذات يوم فهل تمثل تلك الحوادث امرا غريبا او استثنائيا ام انها تمثل حالة انكشاف يصر بعض منا على انكارها.

تراوحت ردود الفعل بين عاتبة ومستهجنة ومستلهمة للكلمات المكررة من ادانة الى الاستنكار الى دعوة المجتمع الدولي للانضمام الى جوقة الإدانة والاستنكار هذه، ولكنها لم تخرج عن البيان الامريكي الذي اعترض شكليا على اختراق السيادة القطرية وكأنها ليست مخترقة بالأساس، واستثناء طبيعة العملية وهدفها من الاستنكار والإدانة فالمستهدفون من قيادة المقاومة هم قتلى وارهابيون وخارجون عن القانون الذي تلتزم به واشنطن. ويؤكد ترامب بعد هذا الهجوم ان نتنياهو مصر على انه يريد تحقيق السلام فيما يرى الرئيس الامريكي ان هذا الهجوم قد يمنح فرصة للسلام فإية كوميديا سوداء هذه.

تمتلك قطر انظمه دفاع الجوي وانظمه مراقبه قد تكون من الافضل بالعالم والتي اثبتت كفاءتها العالية في اعتراض الصواريخ والمسيرات الإيرانية التي كانت في طريقها لفلسطين المحتلة، كما افترضت الأمارة انها بقبولها نقل قاعدة تحديد من السعودية لأراضيها ورصدت مؤخرا عشرة مليارات دولار لتوسيعها انها قد اصبحت تحت الحماية الأمريكية ولم يعد يشغلها الخوف من أحد.

عشرة الى خمسة عشر طائرة (اسرائيلية) شاركت بالهجوم وتجاوزت كل انظمة الرقابة وكانت تحتاج للتزود بالوقود جوا بسبب طول المسافة، فانطلقت طائرات انجليزية من قواعدها في قطر لتزودها بالوقود ولتعود الى قواعدها.

ما جرى في سيدي بوسعيد وفي الدوحة لن يتوقف وانما سيتواصل ويتكرر وسيشمل دول اخرى من تلك التي تملك تصورات وخيالات شبيهة بتصورات وخيالات دول مجلس التعاون الخليجي بانها تحت الحماية الامريكية وهو ما سنراه قريبا، وكما قال رئيس البرلمان (الاسرائيلي) انها رسالة للجميع بالشرق الاوسط: لن يكون احد منكم في مأمن.

ويذكرنا ما حدث في الوحه بتصريحات مهذبه وصحيحة لجورج قرداحي التي قال بها ان حرب اليمن هي حرب عبثية، والتي كادت دول الخليج ان تعلن الحرب على لبنان بسببها ووصلت الى حد سحب السفراء.

ولعل اهم ما قيل في هذا السياق هو ما ورد على لسان سكوت ريتر كبير المفتشين عن اسلحة الدمار الشامل والمختص بالشؤون الاستراتيجية للشرق الاوسط: لقد مرت الطائرات (الإسرائيلية) من اراضي عدد من الدول وكنا نرصدها ولم نعترضها ولم نبلغ أحد بشأنها، وعندما سأله المذيع ولكن قطر دولة حليفة للولايات المتحدة أجابه: لسنا اصدقاء لاحد وقطر ليست لا حليفة ولا صديقة للولايات المتحدة وانما دولة خاضعة شأنها شأن غيرها من الدول، وهي لا تستطيع البقاء دون دعمنا.

بأقوال سكوت ريتر يمكننا القول: رفعت الاقلام وجفت الصحف.