لقاء في قلب التاريخ

يجلس جلجامش على عرشه في أوروك واجمًا.  تظهر عشتار، إلهة الحب والحرب، بنورها الساطع.

عشتار: يا ملك أوروك العظيم. لقد مرّت قرون منذ آخر لقاء لنا، ولكنني أرى أنّ الهموم لا تزال تثقل كاهلك.

جلجامش: أهلاً بكِ يا عشتار، يا من سكنتِ قلوب العشاق والمحاربين. صدقتِ، الهموم لم تفارقني. إنني أرى أرضي، أرض سورية الطبيعية، ممزقة، وكل ركن فيها يروي حكاية من الألم.

عشتار: إنها لعنة الزمن يا جلجامش. الأجيال تتناسى ماضيها وتنسج حاضرها على أنقاضه. الحق والخير والجمال، هي مفاهيم أزلية، ولكنها تتبدل مع كل عهد جديد. ما كان حقًا بالأمس قد يصبح باطلًا اليوم.

جلجامش: وهل يزول الحق بمرور الزمن؟ إنّ حقنا في هذه الأرض، في مياهها التي تروي عطشنا، هو حق أبدي. ألا ترين كيف تتشقق الأرض وتجف الأنهار، وكيف يُقتلع الإنسان من جذوره؟

عشتار: حقّنا في الأرض والمياه هو حقٌ مقدس، ولكنّ الحفاظ عليه يتطلب قوة وحكمة.

الأرض ليست مجرد مساحة نعيش عليها، بل هي هويتنا وذاكرتنا.

المياه ليست فقط مصدرًا للري والشرب، بل هي شريان الحياة الذي يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل.

جلجامش: وماذا عن حق تقرير المصير؟ ألا يحق لشعبنا أن يقرر مصيره بيده؟ أن يختار طريقه بعيدًا عن تدخلات الغرباء؟

عشتار: حق تقرير المصير هو أساس الحرية والكرامة. ولكن هذا الحق لا يتحقق إلا بالوحدة والتكاتف. عندما يتحد الشعب حول هدف واحد، يصبح من المستحيل لأي قوة خارجية أن تفرض إرادتها عليه.

جلجامش: لقد رأيتُ الجمال في أبسط صوره، في حبة القمح التي تنمو، وفي وجه طفل يضحك، وفي يد أم تربت على كتف ابنها. ولكنني أرى أيضًا القبح في كل مكان، في الحروب، وفي الظلم، وفي استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.

عشتار: الجمال ليس شيئًا ماديًا يمكن رؤيته بالعين، بل هو شعور عميق بالسلام والوئام. هو القدرة على رؤية الخير في كل شيء، حتى في أصعب الظروف.

جلجامش: وهل يمكن أن يعود الحق والخير والجمال إلى أرضنا؟ هل يمكن أن تعود سورية الطبيعية موحدة وقوية كما كانت؟

عشتار: يمكن ذلك يا جلجامش، ولكن الأمر يتطلب تضحيات كبيرة. يجب أن نتجاوز أنانيّتنا، ونتّحد حول هدف واحد. يجب أن نستعيد إيماننا بأنفسنا، وبأننا قادرون على تحقيق المستحيل.

 إنّ أرض سورية الطبيعية ليست مجرد بقعة جغرافية، بل هي قلب العالم ومركزه.

جلجامش: كلامك يبعث الأمل في قلبي يا عشتار. سأعمل على توحيد شعبي، وسأبذل كل ما بوسعي لكي يعود الحق والخير والجمال إلى أرضي. سأحارب من أجل حقي في هذه الأرض، ومن أجل حقنا في الحياة الحرة الكريمة.

عشتار: وأنا سأكون معك، أبارك كل خطوة تخطوها نحو النور. تذكر دائمًا يا جلجامش، أنّ الحب أقوى سلاح، وأنّ الأمل هو  آخر ما يموت.

يواصل جلجامش وعشتار حديثهما، وقد امتلأت الأجواء بنور القمر الفضي ورائحة الياسمين.

جلجامش: (بصوت يملؤه الأمل والإصرار) لقد أيقظتِ في داخلي نارًا يا عشتار. سأعود إلى شعبي، ليس فقط لأخبرهم بحقهم، بل لأعلمهم كيف يصمدون، كيف يتحدّون. لكن كيف لي أن أفعل ذلك؟ كيف أغرس فيهم الأمل بينما تحيط بنا كل هذه الظلمة؟

عشتار: (صوتها يتردد كأغنية قديمة في آذان الجبال) لن تعلمهم بالخُطَب يا جلجامش، بل بالقصص. احكِ لهم قصة الصخرة التي تتحدّى النهر الجارف، ولا تتزحزح.

قصة السنبلة التي تنهض من تحت الثلج لتصبح حقلًا من الذهب.

احكِ لهم عن جدي، عن جبل حرمون الشامخ، الذي لا تكسره العواصف.

جلجامش: ولكن وحدي لا أستطيع أن أحمل كل هذا العبء.

عشتار: (تلتف حوله كضوء ناعم، فتشعر روحه بالسكينة) لستَ وحدك يا جلجامش. سأكون معكِ. سأغرس في قلوب نساء شعبنا قوة عشتار المحاربة، لتصبح أمهاتنا محصّنات ضد اليأس. سأهمس في آذان أطفالنا بحب الأرض، فيكبرون وهم يدافعون عنها بكلّ ما أوتوا من قوة. سأجعل من كل قطرة مطر تهطل على أرضنا، أغنيةً للخصب والأمل.

جلجامش: (ينظر إلى السماء، وقد لمعت عيناه) إذن، فلتكن مشاركتكِ في كلّ بذرة تُزرع، وفي كلّ كلمة تُقال، وفي كلّ يد تُمدّ للمساعدة. ستكونين في ضوء الشمس الذي يدفئهم، وفي النسيم الذي ينعش أرواحهم.

عشتار: (تتلاشى تدريجيًا، تاركةً خلفها رائحة الأرض المبللة بعد المطر) سأكون هناك.

تذكر يا جلجامش، أن سورية ليست مجرد أرض، بل هي روح. وطالما هذه الروح حية في قلوبنا، فإنها لن تموت أبدًا. سر على بركة الحب والأمل.

عشتار