يُمثِّل الوهم التوراتي الأساس العقائدي لقيام ما يُعرف بـ «دولة» العدو اليهودي. وانطلاقاً من هذه القواعد التوراتية، يجب أن ننظر إلى العدو اليهودي، وإلى حركة المؤسسات التي أنشأها، وإلى أهدافه الاستراتيجية. وعلى أساس هذه النظرة التوراتية، يجب أن نقاوم ما حصل ونستعد للحرب لما هو قادم في المستقبل.
وبناءً على الأساس التاريخي المزوَّر، والتوراتي الموهوم، وبناءً على هذا الزعم الكاذب، جاءت الدعوة لإقامة «دولة» لليهود على أرض الميعاد من الفرات إلى النيل. مع العلم أنه لا يوجد أي أساس تاريخي لمزاعم التوراة بأن لليهود أرضاً أو كياناً سياسياً في بلاد ما بين النهرين النيل والفرات، إذ تعتدي هذه الجغرافيا على ثلاث أمم من أمم العالم العربي: فتُمثِّل احتلالاً كاملاً للأمة السورية، وتهديداً مباشراً للأمة المصرية، وتهديداً لأمة بلاد الجزيرة العربية. والسيطرة على هذه الجغرافيا يتطلب وجود جيش كبير ووجود دولة قوية قادرة ومتمكّنة. والتاريخ العلمي والآثار التي بين أيدينا لا تدل على أي أثر لدولة يهودية أو كيان سياسي يهودي، لا واقعاً ولا افتراضاً.
أما وقد زرع الغرب بقيادة بريطانيا هذا الجسم الغريب جنوب بلادنا السورية (فلسطين)، ثم ثبتته لاحقاً الولايات المتحدة الأميركية، وأصبح كياناً مغتصباً بفضل الإرادة الأجنبية والقوى العظمى الدولية، كان لا بد من تقسيم بلادنا لتثبيت هذا العدو الغريب التوسعي في جنوب الأمة. ولتحقيق ذلك، صنعت الدول الاستعمارية دولاً وكيانات سياسية مفتعلة ومستقلة عن بعضها في الأمة السورية، وزرعت مفاهيم التفتيت وعدم الترابط بينها لتبقى دائماً متنافرة.
ولكي يحافظ العدو اليهودي على بقائه في فلسطين، كان يتطلب الأمر إنشاء جيش يهودي متفوّق بالسلاح وبالإمكانات المادية على كل القوى العسكرية في الكيانات المحيطة بفلسطين. وهذا يعني أن سلاح العدو يجب أن يكون دائماً متفوّقاً على سلاح لبنان والشام والعراق والأردن، منفردين أو مجتمعين. وعلى هذا الأساس أصبح جيش العدو هو الكيان، ومتى ضعف الجيش زال الكيان.
وللاستمرار، كان لا بد من قيام اقتصاد منتج للكيان الغاصب، فسارعت دول الاستعمار إلى دعم العدو لتطوير الزراعة والصناعة وتزويده بالوسائل التكنولوجية. ولضمان تفوّقه، فرض الحصار الاقتصادي على لبنان والشام والعراق والأردن، ليبقى اقتصاد العدو الأقوى بينما تبقى هذه الكيانات متخلفة اقتصادياً، وبالتالي متأخرة في مسار التقدّم.
كما قررت الدول الاستعمارية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، أن كل حركة مناهضة ومقاومة للعدو اليهودي يجب أن تُضرب بقوة. ولأن العدو عاجز بمفرده، فهو يتلقى الدعم المباشر من هذه الدول خدمة لهيمنتها على موارد الطاقة من نفط وغاز وموارد طبيعية أخرى، إضافة إلى السيطرة على الممرات التجارية والمواصلات البحرية والبرية والجوية، والنقاط الاستراتيجية في العالم.
والمشهد منذ قرن تقريباً لا يزال نفسه. وهنا يطرح السؤال: هل على الأمة السورية أن تستسلم، فيُسحق شعبها ويزول كما حصل لشعوب أميركا الشمالية والجنوبية؟ أم تبقى وتستمر وتنتصر؟
لقد أطلق الزعيم سعاده الخطة النظامية المعاكسة للخطة اليهودية والاستعمارية، وهي: أولاً– مقاومة الأمر المفعول، بكل أشكال المقاومة: الحربية العسكرية، المدنية، الثقافية، والاقتصادية. وهذا يتطلب، أمام ما زرعه المستعمر من تقسيم الأمة إلى كيانات سياسية، توحيد هذه الكيانات في دولة واحدة تعبّر عن إرادة الشعب واستقلاله وسيادته وحريته على أرضه، التي هي وحدة جغرافية اقتصادية متشابكة مصيراً.
فالخطة الاستعمارية اليهودية قامت على تفتيت الشعب على قواعد إثنية ودينية ولغوية التزاماً بقاعدة «فرّق تسد». أما خطة سعاده فهي الاتحاد كأمة على قاعدة علمية: وحدة الحياة التي دمجت العناصر الأساسية للمجتمع، فكوّنت حياة واحدة متفاعلة متماسكة، أي مجتمعاً واحداً موحد المصير. وعلى قاعدة أنه بدون وحدة المصالح ووحدة الحقوق لا يمكن أن تتولد الواجبات ووحدة الإرادة القومية.
فالخطة الاستعمارية اليهودية جعلت اقتصاد العدو أقوى من اقتصاد كيانات الأمة السورية. أما خطة سعاده المعاكسة فهي النهوض الاقتصادي للأمة السورية على مبدأ: «إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة». وبهذا التنظيم الاقتصادي نؤمن نهضتنا، ونحسّن حياة ملايين العمال والفلاحين، ونزيد الثروة العامة وقوة الدولة القومية الاجتماعية.
فخطة العدو اليهودي والاستعمارية هي إنشاء جيش قوي يهاجم السوريين ويحتل أرضهم ويضرب أي قوة ممكن أن تكون فاعلة. أما الخطة السورية المعاكسة، كما أسسها الزعيم، فهي إعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن. أي أن القوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره. فلا يُقرر الحق القومي بالخنوع ولا بالاستسلام.
هاتان هما الخطتان: الأولى يهودية استعمارية، والثانية أسسها الزعيم سعاده سنة 1932. لكن أين تقف الكيانات السياسية المصطنعة في الأمة السورية أمام هاتين الخطتين؟
فالكيان السياسي اللبناني منذ إنشائه تجاهل الخطة اليهودية وخطة المستعمر، كما تجاهل خطة النهوض التي أطلقها سعاده، بل حارب سعاده واغتاله خدمة للخطة اليهودية والاستعمارية. والكيان السياسي الشامي سلك مسلك لبنان، وتآمر على سعاده وسهّل اغتياله. أما العراق والأردن فخضعا بالكامل للمستعمر البريطاني، إلى أن تغيّرت الأحوال بين الستينيات والألفين، فشعر الكيانان الشامي والعراقي بالخطر اليهودي الوجودي، وحاولا إنشاء جيش لمواجهة الخطر اليهودي والأجنبي، لكنهما ابتعدا عن خطة سعاده القائمة على جيش واحد موحّد من كل أبناء الأمة السورية. ورغم شعورهما بالخطر بقيا مختلفين سياسياً، وتآمرا لإضعاف بعضهما. ثم دبّر العدو اليهودي والمستعمر، استناداً إلى خطتهما، أبشع أنواع الحروب للجيشين العراقي والشامي، وحتى حاصروا الجيش في لبنان في رواتبه حتى لا تبقى أي قوة للأمة السورية، وبمساعدة عملائهم في الداخل والعرب التابعين والحلفاء.
واليوم، في هذه الحالة المزرية التي وصلت إليها الأمة السورية، نرى بأعيننا قتل شعبنا في فلسطين والعمل على إفنائه وترحيل من يبقى، وقتل شعبنا في لبنان وإضعاف مؤسساته وترحيل جزء من أبنائه، وقتل شعبنا في الشام وقضم أراضيه وتدمير مؤسساته السياسية والعسكرية والاقتصادية، ونرى الاحتلال الأميركي في العراق ونهب موارده بعد أن دمّر كيانه السياسي والعسكري.
أمام هذا الواقع، ما علينا إلا المقاومة بكل الوسائل: العسكرية، الثقافية، السياسية، والاقتصادية، والشروع في تنفيذ خطة مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي، الزعيم أنطون سعاده.
ونختم بقوله: «إذا كان لا بد من هلاكنا، يجب أن نهلك كما يليق بالأحرار لا كما يليق بالعبيد. فنحن لا نرضى إلا حياة الأحرار، ولا نرضى إلا أخلاق الأحرار». وقد عاهد القوميون الاجتماعيون معلمهم أن يكونوا أحراراً، وأن لا يستسلموا وسينتصرون بخطته المعاكسة وستنتصر الأمة السورية.

