مأزق العرب اليوم

من المعروف إن الأمم منذ القدم تسعى خلف مصالحها الحيوية تنسج العلاقات وتشن الحروب وتعقد المعاهدات بناء لتلك المصالح. والامم التي تفعل ذلك تنطلق من كونها صاحبة هوية او صاحبة رسالة كما كان الحال مع البعثة المحمدية.

لو نظرنا إلى عالمنا العربي والى الكيانات التي اقيمت إثر سقوط السلطنة ونالت استقلالها في هذه الحقبة او تلك لوجدنا تذبذب في مسألة الهوية ببعديها القومي والديني. هذا التأرجح والغموض انعكس سلباً على اداء معظم الحكومات الممثلة للمجتمع العربي الاسلامي. والامثلة أكثر من ان تحصى وتعد منذ ثورة ال 52 للانقلابات البعثية ولتاريخه.

الجمهوريات التي اقيمت اقامها العسكر،وافرغوها من المضمون السياسي الحقوقي بحجج واهية كاسترداد الارض او تمتين الهوية ( وهن قومي تهمة بعثية)،كما قضوا سنواتهم في السلطة يخشون الطروحات الإسلامية ويكيلون لمن يطرحها بكيل من الاتهامات دون ان يقوموا باي نشاط ثقافي او سياسي يجعل المجتمع ينظر لهويته بمعزل عن الدين،كيف لمجتمع عاش مئات القرون في ظل دولة الايمان الديني بحلوها ومرها، ان يتقبل أنظمة يسعى القيمون عليها ، توطيد سلطتهم عبر طرح ايديولوجي جديد عبر شعارات دون تقديم نموذج صالح لمفهوم دولة ما بعد الخلافة.والانكى ان معظم من ركب الموجة الأيديولوجية يفتتحون خطاباتهم بالبسملة(بسم الله) والشعب يضحك بسره. ولا يكتفون بذلك، بل يشيرون دائماً إلى التماهي مع الإسلام (الأمتين العربية والإسلامية)

أما سائر ممالك العرب واماراتهم، فتبنوا الخطاب الديني دون مضمون حداثوي، بل قاموا باجترار ما خطته اقلام فقهاء قيل عنهم علماء أغلبيتهم ظهر في مراحل توتر سياسي داخلي، ابن تيمية مثال. القول ان الإسلام دين الفطرة والقرآن كتاب مبين وهو صالح لكل زمان ومكان، لا يستوي مع ما أنتجه اولئك المدعوين فقهاء وعلماء بعنعناتهم التي لا تنتهي كما لا تستوي مع احتكار السلطة من قبل العرب او هذه القبيلة او تلك او هذا البيت او ذاك. وقد شهدنا مؤخرا كيف بدأت جل تلك الممالك والإمارات العودة عن الطروحات التي تبنتها طيلة فترة طرحها الديني مقابل الطرح الأيديولوجي العروبي التي تبنته معظم الجمهوريات، ولم تكتف بذلك، بل تقوم بتصدير ما عانت منها طيلة الفترة المنصرمة إلى دول الجمهوريات التي تنازعت معها على الطرح، (غبطة حكام دمشق اليوم بطائرة خليجية محملة بكتب ابن تيمية).

مأزق العرب اليوم لا أحد يحسدهم عليه فقد أسقطوا الخلافة بأنفسهم ولم يستطيعوا اقامة دولة ذات النموذج (الويستڤالي)الذي اعتبروه نموذج غربي لا يصلح لمجتمعاتهم. كما يقال في مصر طلعوا (لا من دا ولا من دي)، لذا تجدهم اليوم مجموعات متناحرة متقاتلة لا تتفق على شيء ولا تجمعهم قضية الأمر الذي يذكر بما كانوا عليه قبل البعثة المحمدية. هذا إذا دل فانه يدل على ان الدين لم يكن هو العامل الوحدوي بينهم، بل ما امنه لهم من مأكل ومشرب سطلة ونفوذ.