شكلت الإنجازات التكتيكية للقوات الروسية في الأسبوعين الأخيرين، نقلة مهمة في سياق الحرب الدائرة، وهي مسألة متوقعة رغم الدعم الغربي، هذا الغرب الذي نصح الأوكران بالتخلي عن منطقة باخموت، باعتبارها غير ذات أهمية استراتيجية كبيرة، على عكس وجهة نظر الأوكران عسكريين وقيادة سياسية، فالقيادة السياسية من جهتها تسعى لجعلها مادة للابتزاز المالي، وتدفق المعدات العسكرية، ومهما يكن من صحة هذا القول التي تطلقه المعارضات في الدول الأوروبية، إلّا أن الاستجابة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسلطات الحاكمة في دول حلف شمال الاطلسي وغيرها من الدول المنضوية في هذه منظومة كانت سريعة في مؤتمر رامشتاين لتنسيق الدعم.
كما تلقى زيلنسكي مزيداً من الوعود أثناء زيارته الأخيرة إلى الاتحاد الأوروبي، وخاصة إلى باريس ولندن مطالباً إياها بزيادة الدعم النوعي من المدرعات والطائرات، بالإضافة إلى الدفاع الجوي والصواريخ البعيدة المدى، تبدو هذه الطلبات من حيث المبدأ طبيعية لزيادة قوة الجيش الأوكراني، وتعزيز جهوزيته بمواجهة الهجوم الشتوي الروسي، بعد أن حقق الأخير اختراقات واسعة في خط الدفاع الأول الأوكراني، خاصة في باخموت وسوليدار، وتقدمه باتجاه السيطرة على الطرق وعقد المواصلات الحاكمة، وقطع إمدادات الأوكران إلى منطقة العمليات الأساسية، أما غير الطبيعي في هذه المسألة، هو حجم الدعم الذي يصل إلى حدود فرقتين من المدرعات متنوعة ليوبارد 2 وتشالنجر وابرامز، ودبابات ت72 ، بالإضافة إلى عدد لا بأس به من طائرات تايفون، وأف16، ومن الممكن تسريع ترميم طائرات تورينادو البريطانية، كما من المرجح تزويد الأوكران بكمية إضافية نوعية من وسائط الدفاع الجوي منها صواريخ باتريوت وحيتس”القبة الحديدية” من العدو الاسرائيلي، كما أعطت إدارة بايدن الإذن للعدو بتسليم أوكرانيا 300000 قذيفة من مستودعاتها المخزنة لصالح الشرق الأوسط حسب تعبيرها، يجمع الغرب بأن تسليم هذه المعدات لن يتم قبل ثلاثة أشهر، بحجة التدريب والتكيف مع النمط الغربي للقتال .
من الواضح أن هذه الكمية، وعلى وجه الخصوص المدرعات تشي بالتحضير لهجوم واسع مدعوماً بصواريخ بعيدة المدى نسبياً تتحكم بها غرف العمليات الغربية العاملة بالأقمار الصناعية، أما التوقيت فبالتأكيد سيكون بعد نهاية الربيع وبداية الصيف، وهو التوقيت المناسب من جهة، بعد إنجاز تسليم المعدات، ومن جهة أخرى ليتوافق مع قدرة الأسلحة غير المعدة للقتال في ظروف الطقس الحالية، ومن المرجح أن يكون الهدف الأساس للهجوم شبه جزيرة القرم التي تشكل خطاً أحمراً روسياً .
طبعاً لن نتكلم عن الإرادة الروسية بإجهاض هكذا هجوم، بالإضافة إلى الأسلحة التي لم تستخدم بعد بالشكل الواسع في هذه العملية، مثل الترمينيتور والارمادا من الاسلحة البرية المدمرة للمدرعات، وسلاح الدفاع الجوي كأفضل سلاح بالمطلق بين جميع الجيوش، وسلاح المدفعية الصاروخية التي يقل نظيرها كمية ونوعية .
ورغم اليقين الأميركي بعدم نجاح أي هحوم معاكس على القوات الروسية، إلا أنها تستمر في تزخيم الدعم، وحث دول حلف الأطلسي على رفع ميزانياتها العسكرية، وتقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا، ورغم المعلومات الواردة عن شح المخزون العسكري لهذه الدول، ودفع دول أوروبا الشرقية إلى مزيد من الشحن المعادي لروسيا، كما أنها أوعزت للبنك الدولي بإعطاء أوكرانيا مبلغ يفوق 600 مليون دولار لإعادة ترميم البنية التحتية لتجهيز مسرح العمليات، بعد أن قدم وسيقدم المليارات تحت عناوين متعددة، وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن الخطة المضمرة لدى الولايات المتحدة، هل تسعى إلى دخول الحرب بكامل ثقلها بعد استنزافها للجانب الروسي؟ غير أن هذا الاحتمال المنطقي يبدو بعيداً لوجود أوراق روسية لم تُكشف بعد، وخاصة ما يتعلق منها بالأسلحة النووية .
هل تسعى الولايات المتحدة بزج الحلف الأطلسي وبالتالي الاتحاد الاوروبي في المواجهة المباشرة مع الروس للتفرغ لمعالجة مسألة الصين، وهي الآن تقوم بتعزيز قواعدها هناك، وإنشاء قواعد جديدة في الفيليبين، بالإضافة إلى أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية؟
هل تسعى الولايات المتحدة إلى تفكيك الاتحاد الاوروبي بعد ظهور معارضات على سياستها داخله، خوفاً من تبلور قطب غربي يفقدها دورها في الأقليم الأوراسي؟
كل هذه الأسئلة مشروعة، أما نوايا الولايات المتحدة فتكشفها الأحداث القادمة .
رئيس المؤتمر القومي العام وليد زيتوني