“أحببت عازف كمان” لستيفاني عويني نقلة بين السائد والمستجد”

“أحببت عازف كمان” لستيفاني عويني نقلة بين السائد والمستجد”

يقول الكاتب الفرنسي اندريه مالرو: “يبدأ الادب بمحاكاة الادب ثم ينتهي بمحاكاة الحياة”. ويرمي الاديب الفرنسي من قوله هذا

إلى التأكيد على أن الكاتب الناشئ يعكس في أدبه ما تردد من حوله وفي نفسه من مفهومات تصورية عن الادب في مضمونه وشكله. كما يقرر أن رؤية الحياة الواقعية واستخلاص صورة عنها يحتاجان إلى نضج وتعمق يقتضيهما حسن التمييز بين الواقع الموضوعي والتصور الادبي السائد، والخيال الذاتي الذي يؤلف هوية الكاتب. وهذا ما نقع عليه في رواية الكاتبة الشابة ستيفاني عويني “أحببت عازف كمان” الصادرة عن دار ابعاد للنشر، والتي تدور قصتها حول تجربة أمرأه تنفصل عن زوجها بعد معاناة صعبة كانت فوارة بالعنف الجسدي واللفظي. لتلتقي بعد ذلك بالحبيب، والذي تقول عنه ” لا أدري كيف اهتدت أنوثتي إليك، ولا كيف خرق حبك هدنتي مع الحب”، ولكن في المقابل نجد أن هذا الحبيب، والذي هو عازف كمان لا يبدي تجاوباً مع عاشقته، والتي تظل بالرغم من ذلك تسعى إليه من خلال عواطفها وخيالاته مترجمة مشاعرها كتابات على الورق تعكس تعلق قلبها به، وذلك حتى بعد أن ابلغها بجفاء أنه لا يشعر بها.

هذه الكتابات والتي تشكل لب الرواية ومحورها أنما سعت الكاتبة من خلالها للخروج من نمطية التعامل مع البطل /الشخص لتدخل في رحاب التعاطي مع البطل /الحدث، وذلك بإسلوب كتابي رائع وجميل هو أقرب إلى الغزل، والذي جعلت منه “ستيفاني عويني شريان الحياة الادبية ليس في الشعر فقط بل في الرواية أيضاً.

اللافت في رواية “عويني” أنها ذو طبيعة نوعية هادفة، وهي عكس الكثير من روايات الأدباء الشباب في أيامنا هذه لا تجري جرياناً منقطعاً بلا معنى. ففي روايتها هذه تبدو ستيفاني عويني متحررة بعقلها. شجاعة في طرح الاحداث كماهي بعيداً عن الانماط المتخشبة، السطحية، التافهة، المتجزأة، وخاصة فيما يتعلق بعلاقة “ليلى” والتي هي بطلة الرواية الحميمة بحبيبها، والتي لا تتعدى مخيلتها، محركة أزماتها في نفسيتها فقط.

رواية “أحببت عازف كمان” يصح القول فيها أنها ذات عمق بسيكولوجي وفكري وغريزي. فكلما أمعن النص في الدخول إلى أعماق ذاتيته وخصوصيته الفردية. كلما توصل إلى الدخول في أعماق الوجود الإنساني بحيث تبدو الصورة عميقة وانسانية وتترك أثر طيبا أكثر في نفوس القراء.

في رواية ستيفاني عويني ايضاً يتخذ الزمن حجماً مأساوياً وخاصة مع اكتشاف ” بطلة الرواية أصابتها بالسرطان. وهنا يبرز الوعي الناضج في التعامل مع الحدث عند “ليلى”.

وهذا ما يؤكد أن الاديب الحقيقي هو ذلك الذي تأتي كلماته من عالمه الذي يخترعه من احلامه وثقافته وتطلعاته. عند ستيفاني “عويني أيضاً يبرز التكامل الوثيق بين الفلسفة والادب. وكأنما هذه الكاتبة تسعى من خلال بطلة الرواية إلى اعماق الانسانية جمعاء.

وأخيراً لابد أن نسجل نجاح المؤلفة في المحافظة على الكتابة الإبداعية وأشراق اللغة. مؤكدة ان كل حداثة لا تتعامل مع اللغة على هذا الأساس هي حداثة مدجنة، وهي تعمل على تخربيها.

الصحافي والكاتب نبيل المقدم