»ما غين عوز». محور صهيوني جديد يقسم خانيونس    ويمهّد لخطة احتلال غزة

في تطور عسكري خطير، تحت لواء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، أعلن جيش الاحتلال مؤخراً عن إنشاء محور عسكري جديد جنوب القطاع يُعرف باسم «ما غين عوز». يقع هذا المحور في قلب محافظة خان يونس، ويقسمها فعلياً إلى جزئين: شرقي وغربي، وهو ما اعتبره مراقبون خطوة نوعية في مشروع إعادة احتلال غزة وتقسيمها جغرافياً وسياسياً.

وبحسب ما يؤكده الدكتور علي الأعور، أستاذ النزاعات الدولية والخبير في الشأن الإسرائيلي، فإن «ما غين عوز» لا يُمكن فصله عن سلسلة المحاور العسكرية التي تنفذها إسرائيل منذ شهور، مثل محور «موراج» الذي يربط خان يونس برفح، ومحور «نتساريم» الذي يشطر القطاع في وسطه.

احتلال معلن باسم جديد

الدكتور الأعور يرى أن إنشاء هذا المحور يمثل تنفيذاً لخطة كانت جاهزة منذ أكثر من 20 شهراً، وقد جرى تداولها في أروقة مراكز أبحاث إسرائيلية، لكنها اليوم خرجت إلى العلن بدفع مباشر من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.

ويضيف: «نتنياهو لا يخفي نواياه. إعلان هذا المحور هو إعلان مسبق لخطته لما بعد الحرب. هو يقود مشروع احتلال غزة بالكامل».

ما يجري في خان يونس ليس مجرد إجراء ميداني مؤقت أو ضرورة تكتيكية، بل جزء من سياسة استعمارية إسرائيلية ممنهجة، تهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض تقوّض أي حل سياسي وتؤسس لحالة احتلال دائم.

ترامب في الخلفية.. والضوء الأخضر الأميركي حاضر

في تفسيره لأسباب تجرؤ نتنياهو على هذه الخطوة التصعيدية، يشير الدكتور الأعور إلى أن الدعم الأميركي ـ وخصوصا من إدارة ترامب السابقة ـ  لعب دوراً مركزياً في إعطاء نتنياهو الضوء الأخضر للمضي قدماً في هذا المخطط.

ويقول: «ترامب منح نتنياهو الموافقة الضمنية على احتلال غزة بالكامل… هذا الدعم لا يزال يلقي بظلاله على الميدان».

ماجين عوز على طاولة المفاوضات

في ظل الحديث عن اقتراب إبرام صفقة تبادل أسرى أو هدنة جديدة، يشدد الأعور على أن محور «غاجين عوز» لن يكون غائباً عن المفاوضات.

لكنه في الوقت نفسه لا يرى أن وجود هذا المحور سيُعيق بالضرورة الوصول إلى اتفاق مؤقت: «الطرفان ـ نتنياهو وحماس ـ يحتاجان إلى الصفقة. الضغوط الداخلية في إسرائيل متزايدة، والمجازر في غزة لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية. حماس أيضاً لا تريد مجزرة جديدة كل يوم».

من جهته، يُرجّح الأعور أن استمرار المحور العسكري خلال فترة الهدنة أمر غير مرجح، نظراً للضغوط الدولية والداخلية. ويُحتمل أن يُجبر نتنياهو على سحب قواته لاحقاً، وإن مؤقتاً.

بعد الهدنة.. العودة إلى الدم؟

رغم توقع التوصل إلى هدنة تمتد لحوالي 60 يوماً، يُحذّر الدكتور الأعور من أن ما ينتظر غزة بعدها قد يكون جولة أشد من العدوان، إذ يرى أن: «ما بعد الصفقة، ما بعد 60 يوم، نتنياهو سيعود إلى الحرب… إلى القصف والدم والقتل».

فالمحور الإسرائيلي الجديد ليس مجرد وسيلة ضغط تفاوضي، بل تمهيد ميداني لمرحلة ما بعد التهدئة، وهي مرحلة يسعى فيها نتنياهو إلى تعزيز موقعه السياسي، لا سيما في ظل التحالف مع شخصيات يمينية متطرفة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموت ريتش.

الكنيست والصفقة.. لعبة مواعيد مدروسة

يضع الدكتور الأعور تاريخ 28 يوليو كموعد محتمل للصفقة، مشيراً إلى أنه يتزامن مع خروج الكنيست الإسرائيلي في عطلته الصيفية، وهو ما يمنح نتنياهو فرصة ذهبية للمضي في الصفقة دون عوائق تشريعية أو ابتزاز سياسي من حلفائه: «في غياب الكنيست، لا حاجة لأخذ رأي بن غفير أو غيره. نتنياهو سيتحرك منفرداً».

ومن المتوقع وفق تحليل الأعور أن يُحلّ الكنيست فعلياً، ما يعني بقاء نتنياهو في رئاسة الحكومة حتى منتصف أكتوبر المقبل، على أن يُعلن موعد انتخابات مبكرة فور عودة الكنيست للانعقاد، ربما مع بداية العام القادم.

المقاومة تحسم.. أو تُفشل المخطط

كما يربط الدكتور الأعور مصير المحور الإسرائيلي الجديد  ـ بل ومستقبل الاحتلال في غزة ـ  بمستوى العمليات النوعية للمقاومة. إذ يعتبر أن الضربات التي تلقتها إسرائيل في بيت حانون ورفح، والقتلى في صفوف ضباطها، قد تكون كفيلة بإجبارها على التراجع: «نجاحات المقاومة تُربك حسابات نتنياهو وقد تؤدي إلى إفشال مخطط التقسيم وإلغاء المحاور وحتى انسحاب الجيش الصهيوني».

في ضوء المعطيات الميدانية والتحركات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، يبدو أن محور «ما غين عوز» ليس مجرد تطور عابر، بل تجسيد واضح لمرحلة جديدة من المشروع الاستيطاني العسكري في قطاع غزة. غير أن هذا المخطط، رغم ما يحمله من طموحات احتلالية، يبقى هشّاً أمام عزيمة وصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته التي أثبتت مراراً قدرتها على قلب المعادلات.

عن مجلة العربي المستقل

ميسم بوتاري