الفيديرالية باب نحو المجهول

منذ فرض تقسيم سايكس بيكو على المنطقة، وبخاصة على المشرق، ومشاريع الغرب لتثبيت هذا التقسيم، بل تقسيم المقسم، تتوالى.
لم تترك حكومات الغرب الأطلسي وسيلة لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، بل التاريخي بالنسبة لها، إلا واستعملتها.
من الإرساليات التبشيرية ومؤسسات التعليم الموجه والإعلام وإثارة التناقضات السياسية والصراعات الدينية، والمذهبية والإتنية، إلى الحروب والغزوات المباشرة، لمنع أي توجّه وحدوي، أو حتى مجرد ترسيخ وحدة الدول التي أنشأتها سايكس بيكو وتقوية دولها.
ولم يكن إنشاء الكيان الصهيوني ومده بكل عناصر التفوق المادي والعسكري على محيطه سوى عنصر من عناصر استراتيجية إدامة حالة التمزق في المنطقة.
وقد تعزز هذا الميل المعادي، بعد انكشاف العجز المتزايد للعدو عن إخضاع المنطقة، أو القدرة على الصمود بعد حرب 1973، وبصورة أوضح بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ورفض عدد من دول المنطقة، وأولها سوريا، عن السير بركب الاستسلام. فكان غزو العراق ثم العدوان الصهيوني في عام 2006، الذي اعتبرته كونداليسا رايس وزيرة الخارجية الأميركية منطلق الفوضى الخلاقة التي ستفضي إلى شرق أوسط جديد بقيادة صهيونية تحت المظلة الأميركية.
تلاه فوضى ما سماه الأميركيون “ربيعاً عربياً. وتطورت تلك الفوضى عبر تفجير المشرق بواسطة داعش وأخواتها.
كل ذلك هو المقدمة التاريخية والإطار المفهومي لأي دعوة للفدرلة أو التقسيم.
فها هما العراق وسوريا قد أُدخلا في ظل الاحتلال الأميركي بهذا النفق.
أما في لبنان فبعد فشل محاولة التقسيم الاولى خلال الحرب الأهلية وسقط كانتون (من المدفون الى كفرشيما)، تعود تلك المحاولة تحت حجج ومبررات متعددة. منها تطبيق الطائف أو المشاركة المتوازنة في القرار أو سلاح المقاومة أو غير ذلك من مسوغات؛ ولكن في خلفية الطرح ما ورد أعلاه من تناغم مع الخطط الأطلسية، لإبقاء مجتمعاتنا في حالة رخاوة بنيوية وضعف مستدام يستدعي التدخلات ويجهض أي مقاومة للاحتلال الصهيوني الأطلسي المشترك.
ربما يأمل أصحاب دعوات الفدرلة استغلال حالة الشلل الراهن في الدولة، وواقع الإنهيار الاقتصادي والانسداد السياسي لتمرير مشروعهم. ولكن وجود المقاومة وحلفائها سيبقى ضمانة لعدم نجاحه.
مع عدم استبعاد أن يؤدي إصرارهم عليه، قد يفاقم حالة الشلل ويفتح الأزمة على منزلقات التوتر الأمني، وربما ما هو أخطر.
لذا وجب الحذر، وفضح خلفيات ولوج هذا الباب المفضي إلى المجهول ومخاطره.
إضافة إلى ذلك، لا بد من استعادة وتطوير قدر من التنسيق بين القوى الوطنية الوحدوية لبناء سد بوجه كل دعوات الحياد والفدرلة، لأنها في واقع الأمر ستنقلنا من الانهيار إلى الخراب.\

رياض صوما