عندما انقلب معظم الشعب اللبناني على نظامه الفاشل البعض فعل ذلك لعدم عدالة النظام والبعض الآخر لكيلا تقع المنطقة كلها بين براثن الصهيونية وكانت تجربة التوأمة مع كفاح الشعب الفلسطيني وجعل لبنان يعود لسابق عهده في التصدي للغزاة الطامعين كما كانت التجربة الأخيرة من حماة الثغور.
التجربة التي خيضت في حينه لم يرتق قادتاها بدمشق او بمنظمة التحرير الفلسطينية او في الحركة الوطنية اللبنانية (الأضعف بين الأفرقاء) لمستوى المعركة التي كان يمكن لها ان تكون مصيرية حتى مع الدعم اللامحدود من قبل الغرب لفلول الصهاينة الهاربين من التعسف الأوروبي. إذ التهى الجميع كما أهل البداوة بصراعات الزواريب فيمن يحمل الراية. وكانت تجربة قاسية دفع لاحقاً الجميع الأثمان الباهظة لما اقترفته أيديهم.
على الصعيد الشامي كان يمكن لدخول جيش الأسد إلى لبنان وليس الجيش العربي السوري لأنه اثبت مما لا يقبل الشك أن لا جيوش وطنية على كامل تراب المنطقة، بل جيوش لحماية الأنظمة، أن يؤسس لمرحلة جديدة في تدعيم جبهة الصمود في وجه التمدد الصهيوني إلا أن نظامه آثر إعادة رموز النظام الفاشل وذهب أكثر من ذلك عندما ساهم بتمرير اتفاق الطائف الذي يعتبر أسوأ من سلفه الميثاقي إذ مد النظام الطائفي بأوكسجين وجعله فيدرالي طائفي بعد ان كان مركزي طائفي.
فشل النظام الجديد يدفع ثمنه لبنان كل يوم منذ إقرار النظام الجديد ودخول قوات لردع وبدل ان يوقف الحرب ويحمي دمشق من أتونها وجدنا أن لهيبها ابتلع دمشق بعد حين، وكل ذلك لان إذن رجال النظام المخابراتي كانت صماء وهمهم اقتصر على اقتطاع حصة من بقرة الحريري الحلوبة.
أما قادة «فتح» فحدث ولا حرج في كيفية تعاملهم مع القضية، إذ لم يراعو عهداً وتركوا شارون يصل إلى بيروت وذهبوا لقتال الأسد في طرابلس. ربما قادهم فكرهم الإخواني أن احتلال عاصمة ثانية للعرب سوف يقيم الدنيا ولا يقعدها وقد ثبت بالوجه الشرعي أن الفكر العروبي المخابراتي كما والفكر الإسلامي المبلل بالنفط لا يقيم وزناً لكفاح أهل المشرق فهم الأول هو تمجيد الخليفة العروبي وهم الثاني هي الثروة التي أمدّته بها الطبيعة يريد التنعم بها كما كان حاله بالأندلس. حتى عندما أعلنوا عن دولتهم أو ما دعي بالسلطة الفلسطينية كان جل اهتمامهم كما حال أشقاءهم في الأنظمة المجاورة الحفاظ على سلطانهم وقمع من تسول له نفسه بمقارعة الاحتلال.
رغم أن الطائف قد اخذ ببعض برنامج الحركة الوطنية الإصلاحي، إلا أن الأداء لم يرتق لإكمال المسيرة الإصلاحية للنظام وقد وقع الجميع في فخ الحريرية المدعومة من الثلاثي خدام الشهابي وكنعان وقد وصل الأمر بالوزير حماده أن يحمل دمشق الفشل الذي أصيب به مشروع الحريري رغم انه لولا دمشق لما رأينا حريرية ولا كامل الدكة التي حكمت منه وجر.
بعد كل تلك النكسات كانت المقاومة بارقة امل فهي التي حررت الأرض وهي التي أمدت ليس لبنان وحسب، بل المنطقة بأسرها بأكسير جديد لمواصلة النضال وكبح جماح التمدد الصهيوني إلا إنها كما حال أسلافها وقعت في شركها العقائدي وتعففها السياسي. لا شك أن العقيدة التي حملتها كان لها الفضل في الدعم الخارجي والتأطير الداخلي للأعضاء المقاومين إلا أن ذلك لم يعد كافياً بعد التحرير ونصر تموز بحيث أصبح همها الحفاظ على السلاح ورهن ذلك بقدوم المهدي قد يكون شرعياً فقهياً لدى اتباع العقيدة لكنه يلقى الآذان الصماء لدى المكونات الأخرى. كان على المقاومة أن تبذل الجهود لبناء الدولة وتمتين وجودها من خلالها وليس على جوانبها وكان لديها القدرة الكافية لفعل ذلك إذ أنها أوقفت الاستحقاقات الرئاسية حتى تحصل على النتائج المرجوة وكان يمكن أيضاً وقف الحديث عن السلاح فيما لو أصرت على ملف السياسة الدفاعية وقدمت المادة اللازمة ليقبلها الشعب ككل، إذ إنها أصبحت مدرسة قتالية نالت إعجاب قادة جيوش العالم فكان يمكن لها أن تفعل ذلك داخلياً.
ما العمل اليوم بعد خراب ليس بصرة واحدة، بل جميعها في العراق والشام ولبنان .سؤال على الجميع الإجابة عنه بعد أن ينزلوا من بروجهم العاجية ورغم إننا نتحدث في منطقة تعج باهل الإيمان، نأمل أن يفيق الجميع من السكرة ويبحثوا عن الفكرة .