تم التحضير لزيارة ترامب للمنطقة بتخطيط ناجح كان له دور في مجرياتها اللاحقة، وقد سبق الزيارة مجموعه من الهدايا المقدمة على الحساب، منها اعلان حزب العمال الكردستاني عن حل نفسه وانسحابه من الأراضي التركية إلى أراضي سورية خاصة شرق الفرات ليمثل جناحاً تركياً في المجموع الكردي، وتزامن ذلك مع اعلان حركة حماس عن اطلاق سراح الأسير عيدان اليكساندر المزدوج الجنسية، وذلك بوساطة قطرية تركية، ولكن هذه الهدايا لم تكن متبادلة، فمن الواضح أن الأكراد سيكونون فريسة للأتراك وأكثر ما يستطيعوا الحصول عليه شيء من الحكم الذاتي الضعيف مع السيادة الأمنية لتركيا، فيما استشرست القوة (الإسرائيلية) في غزة عقب إطلاق سراح الأسير عيدان الكسندر و أمعنت بالقتل ولم يثر ذلك انتباه الرئيس الامريكي بقدر ما أثار انتباهه نوع الرخام الأبيض أو القلم الانيق المرصع بالذهب الذي وضعه في جيبه بعد التوقيع به،.
الزيارة ولا شك تاريخيه بامتياز فقد أسست انقلاب في المشهد الاقليمي ولعملية اصطفاف جديد من خارج صندوق الحسابات، المملكة السعودية أصبحت الشريك الاستراتيجي الأول، وتملك هامش تأجيل التطبيع العلني مع دولة الاحتلال باعتبار أن التطبيع غير العلني قائم أصلاً، ويبدو أنه ينتظر تغييراً تحدثه واشنطن في تل أبيب يغادر أثره نتنياهو المشهد لصالح من تختاره الولايات المتحدة رئيسا لوزراء دولة الاحتلال، في الرياض كان اليوم الأول للزيارة للدفع، فقد رافق ترامب عدد من رجال الأعمال ومدراء الشركات الذين عقدوا صفقات لم تكن تخطر لهم على بال، والغريب أن السعودية التي تشتري كل هذه الأسلحة لم يعد لها أعداء حسب ما نعلم لتبرر شرائها للسلاح فمن تريد أن تقاتل؟
لقاء الرئيس الامريكي ترامب مع الجولاني يعيد التذكير بالتسويق القطري ـ الإخواني للجولاني، وذلك عندما نستذكر اللقاء الذي أجراه احمد منصور مع أبو محمد الجولاني وحديث الأخير عن طريقة تعامل الزعامات العربية الذليل مع قاده الغرب عموما والرؤساء الامريكان خصوصاً ولكننا نراه اليوم أكثر ذلاً وانحطاطاً من الذين كانوا يتهمهم سواء بالشكل من حيث الانحناء أمام ترامب أو بالموافقة على كل مطالب ترامب والتي عرف منها قبوله بطرد فصائل العمل الفلسطيني من دمشق واحلال (اسرائيل) مكانهم بالتطبيع السريع وفتح سوريا أمام الاستثمار غير المتوازن للشركات الأمريكية أو بتعبير أدق السماح للشركات الأمريكية بنهب خيرات سوريا وكل ذلك مقابل رفع عقوبات قيصر التي توسّط من أجل رفعها كل من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
في المشهد الاقليمي الجديد، لا حضور لفلسطين من قريب أو بعيد، فقد أصبحت عبء على (اسرائيل) أن تنزل عن اكتاف العرب، إن كانت أصلاً على أكتافهم، و كل الافاق مفتوحة أمام الحكم الامريكي المباشر للمنطقة وبشكل يعيد تجربة الانجليز و الفرنسيين في بلادنا في زمن ما بين الحربين العالميتين.
هذا المشهد الاقليمي تم تأسيسه و العمل عليه والاستثمار به طيلة عقد ونصف من الحرب العالمية على سورية، و التي انتهت بانهيار النظام و خذلان الحليف الروسي وانكفاء الحليف الايراني، و باستثمار 170 مليار دولار على الجولاني وإضرابه ومن هم على شاكلته في السودان و ليبيا و الصومال، الزيارة و ما رافقها من حفاوة كانت احتفال بإعلان الانتصار الامريكي على المهزومين المحتفلين، لا على اليمن الأفقر والأقل موارداً و لكن الذي يملك قوة الارادة التي فرضت على الامريكي الحوار معه والقبول بشروطه و تحقيق أول انفصال في ملفات السياسة الامريكية و (الاسرائيلية).
هي فترة صعبة، هي أزمنة الصعاب التي تمر على الأمم الحية، و لكن لا بد لها من الانقضاء، وعلينا العمل على التعجيل بانقضائها، بالالتزام بالأيمان بأنفسنا وحقنا و قدرتنا التي أن تم تفعيلها فهي قادرة على إعادة الأمر إلى نصابها.