مرّت أكثر من مئة يوم على تولّي نواف سلام رئاسة الحكومة، ولم نرَ إنجازاً واحداً يُذكر. بل على العكس، تتوالى الخيبات لتؤكّد أن الرجل لا يملك المشروع، ولا الهيبة، وفاقدا للرؤية الوطنية الواضحة، رغم الآمال التي عُلّقت عليه عند تكليفه. ما رأيناه حتى الآن لا يتعدّى أداءً باهتاً لشخصية سياسية خفيفة غير مؤثرة، انزلقت بسرعة إلى مستنقع التسويات والمحاصصات، وتخلّت عن الشعارات الاصلاحية.
أبرز المحطات التي تكشف عمق أزمته وضعف أداءه:
ـ تعيين الوزراء: بدلاً من كسر منطق المحاصصة، خضع لها بالكامل. وتمّ توزيع الحقائب الوزارية على أساس الولاء السياسي والطائفي، لا على أساس الكفاءة أو النزاهة. بعض الوزراء يفتقرون لأبسط المؤهلات الثقافية والسياسية، وكانت النتيجة: لا إصلاحات، وفريق حكومي غير منسجم.
-التعيينات الأمنية: لم يُستشر في التعيينات الأمنية الأساسية التي جرى التوافق عليها بين رئيس الجمهورية وبعض القوى السياسية، بمعزل عنه. وعندما حاول التدخّل لفرض اسم لمدير الأمن الداخلي (وهو المنصب الذي يُعتبر عرفاً من حصة رئيس الحكومة)، رُفض اقتراحه، في دلالة واضحة على هشاشة حضوره ومحدودية تأثيره.
ـ تعيين حاكم مصرف لبنان: شكّل ذلك ضربة قاصمة لكل وعوده السابقة. فقد تمّ تعيين شخصية محسوبة على المصارف ومصالحها، وهي مناقضة تماماً لكل ما نادى به لسنوات من حوكمة ومحاسبة. الحاكم الجديد جزء من المنظومة التي راكمت الانهيار، وكان موظفاً في خدمتها، وما زال. اليوم يُروَّج لنقل ديون المودعين من المصارف إلى الدولة، أي تحميل الدولة كامل العبء، وإخراج المصارف كالشعرة من العجين. هكذا أفرغ نواف سلام مشروعه المالي من مضمونه قبل أن يبدأ.
ـ زيارة الجنوب: كانت زيارة باردة بلا مضمون سياسي أو رمزي. لم يُعلن موقفاً من العدو الذي دمّر البشر والحجر، لم يزر عائلات الشهداء، ولم يضع وردة على ضريح. وقد قوبل بكلمات قاسية من الأهالي تعكس الغضب من مواقفه الرمادية وافتقاره إلى الحد الأدنى من الحس الوطني، حسب تعبيرهم خلال اللقاء.
ـ خطة إصلاح القطاع المصرفي: الخطة الأولية التي طُرحت تحمي المصارف أكثر مما تحمي الدولة والمودعين. الشعارات السابقة حول استعادة الحقوق ومحاسبة المتورطين تبخّرت، لتحل محلها منظومة قانونية تحمي المنظومة المالية ذاتها.
ـ الخطة المالية: لم تنطلق بعد، في حين بدأت المصارف وبعض الجهات الخارجية بتنفيذ خططها الخاصة دون علم أو تدخل من جانبه، وكأن الحكومة غير موجودة إلا بالاسم.
ـ إعادة الإعمار: لا تزال غائبة عن جدول أولوياته، رغم تعهده و الحاجة الملحّة إليها. هذا التراجع يبدو كأنه استجابة لضغوط إسرائيلية تُمارَس عبر القنوات الأميركية لتعطيل أي نهوض حقيقي في الجنوب، حسب أبناء المنطقة والتيارات المناصرة لمحور المقاومة.
ـ زيارة سوريا: كانت زيارة فارغة بكل ما للكلمة من معنى، حتى بروتوكولياً، فقد شهدت أخطاء كارثية. لم يُطالب بأي من حقوق لبنان: لا حماية القرى على الحدود المتداخلة، ولا وقف التهريب للبضائع والاشخاص، ولا حتى العدالة لشهداء الجيش الذين قتلهم الجولاني نفسه، والذي بات يحكم سوريا على دماء جيشنا الوطني. وهكذا منح نواف سلام شرعية لرئيس ميليشيا قتل خيرة ضباطنا وجنودنا، الذين يُجمع على احترامهم كل اللبنانيين، ولم يكتسب لبنان اي فائدة من الزيارة.
ـ السياحة الخليجية: تعامل مع عودة بعض السيّاح العرب وكأنها انتصار تاريخي، بينما يعلم الجميع أن لبنان لا يُبنى على موسم سياحي فقط ، بل على استقرار سياسي وإمني واقتصادي مستدام. مع التأكيد طبعاً على أهمية السواح العرب وعودتهم الدافئة المرحب بها من اعماق القلب.
ـ مطار القليعات: المشروع الوحيد الذي يبدو جاداً في متابعته، رغم ما يثيره من مخاوف تتعلق بالبعد التقسيمي، وتكريس عزل بعض المكوّنات الوطنية. وهو مشروع مطلوب خارجياً وداخلياً في سياق مواجهة المقاومة وبيئتها، بسبب موقع المطار الحالي.
ـ العجز في السياسة الخارجية: رغم خلفيته الدبلوماسية، لم نلمس أي تحرّك فعّال على الساحة الدولية. لا استقطاب للدعم، لا تصويب للعلاقات، ولا استخدام للمنابر الدولية لحماية مصالح لبنان. رجل بلا صوت دولي ولا وزن إقليمي. والسؤال المطروح: هل هذا الصمت مقصود؟ حتى في أحاديثه في الصالونات المغلقة، يتحدث عن الجنوب كأنه بقعة جغرافية خارج لبنان، وعن أهله وكأنهم غرباء، غير لبنانيين.
ـ العجز في القضاء: لم يُسجّل أي إنجاز يُذكر. مقترحه المتعلّق بمجلس القضاء الأعلى كان قائماً على التعيين لا الانتخاب، ما يُعدّ نكسة حقيقية لمبدأ استقلالية القضاء، وفيه نَفَس طائفي صريح يكرّس المحاصصة بشكل فاضح، حتى في المؤسسة القضائية التي يُفترض بها حماية الوطن واستقراره.
ـ الشلل في الإدارة العامة: لم يتحرّك في ملف إصلاح الإدارة أو مكافحة الفساد. لا مساءلة، لا شفافية، لا تعيينات إصلاحية، ولا خطط واقعية. ما جرى لا يتعدى بعض الحركات الإعلامية والشعبوية، مثل فتح موقع إلكتروني لتقديم السير الذاتية، لكن في العمق، استمرت المحاصصة بلا رادع أو رؤية إصلاحية.
خلاصة القول:
نواف سلام مع احترامنا الكبير له ليس هو الرجل المناسب للمرحلة، ولا يمتلك صفات رجل الدولة الممثل للإرادة الشعبية . لذلك لا يملك القرار، ولا الجرأة السياسية، ولا الرؤية الاقتصادية أو الإصلاحية. ما قدّمه حتى الآن ليس سوى خليط من الشعارات الشعبوية غير المحققة، والرضوخ الكامل لمطالب الداخل والخارج. مشروعه سقط قبل أن يبدأ، وهو اليوم يقود حكومة تصريف خيبات، ضمن أجندة قديمة مجربة ومفلسة، تدفع بلبنان نحو مزيد من الانهيار، بقيادة «رجل خفيف بالوزن السياسي والتمثيل الشعبي» بكل ما للكلمة من معنى.
علي عواد