كيان العدو في عامه ال 77 «دولة الحروب» منذ اغتصابها لفلسطين

يوم 14 مايو/أيار عام 1948 هو يوم مشؤوم في تاريخ الأمة، يوم أعلنت قيادات في الحركة الصهيونية قيام «دولة اسرائيل» على الأراضي الفلسطينية المحتلة بعيد انسحاب الانتداب البريطاني منها. وجاء ذلك إثر مجازر وجرائم إبادة وتهجير للسكان الفلسطينيين من مدنهم وقراهم. ولم تتوان هذه القيادات عن دعوة اليهود في العالم إلى دعم هذه «الدولة»، والهجرة إليها باعتبارها «الوطن القومي»، الذي وعدت به بريطانيا اليهود على لسان وزير خارجيتها بداية القرن العشرين آرثر جيمس بلفور بعد إصداره ما عرف بوعد بلفور عام 1917.

راح الكيان الصهيوني منذ اغتصابه لفلسطين يبني قوته العسكرية في منطقتنا إلى حد امتلاك مفاعل نووي، وإعداد جيش عمل على مدى عشرات السنين على شن حروب عديدة في أمتنا مما خلق توتراً إقليمياً متصاعداً ودائماً يضاف إلى المشاكل التي خلقها تأسيس «الدولة» أصلاً.

إذن  14مايو/ أيار 1948 هو تاريخ النكبة على فلسطين التي تعيش الحروب والمأساة مذاك وسط تخلي الدول العربية عنها وتركها لنفسها. انسحبت بريطانيا من فلسطين في ذلك التاريخ، وأعلن ديفيد بن غوريون في اليوم نفسه «قيام الدولة الإسرائيلية وعودة الشعب اليهودي إلى ما أسماه أرضه التاريخية». ومن الأهمية بمكان التذكير بما جاء في إعلان «دولة الكيان الصهيوني» ومزاعمه جاء فيه «إننا نمد أيدينا إلى جميع الدول المجاورة وشعوبها عارضين السلام وحسن الجوار، ونناشدهم إقامة روابط التعاون والمساعدة المتبادلة مع الشعب اليهودي صاحب السيادة والمتوطن في أرضه. إن دولة «إسرائيل» على استعداد للإسهام بنصيبها في  الجهد المشترك لأجل تقدم الشرق الأوسط بأجمعه. وإننا نناشد الشعب اليهودي في جميع أنحاء المنفى الالتفاف حول يهود أرض «إسرائيل» ومؤازرتهم في مهام الهجرة والبناء والوقوف إلى جانبهم في الكفاح العظيم  لتحقيق الحلم القديم.. ألا وهو خلاص «إسرائيل»«.

لم يتوان الكيان الصهيوني يومأ عن استخدام القوة العسكرية أو التهديد باستخدامها على مدى عشرات السنين بحيث يصلح إطلاق تسمية «دولة الحروب» عليه. خاض حروباً عديدة منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي وحتى يومنا، ولعل آخرها الحرب الدائرة على قطاع غزة وجنوب لبنان.

لقد شهد الصراع مع العدو الصهيوني حروباً كبرى في أعوام 1948 و1956 و1967 و1973 و1986 و2006 والحبل على الجرار، وليس آخرها الحرب على غزة وعلى جنوب لبنان.

وتبعاً لإحدى قواعد البيانات المعروفة للصراعات الدولية، شهدت دائرة الصراع العربي–«الإسرائيلي» خلال فترة  ما بين  1945 و2000  حوالي 17 حالة صراع عنيف بين الكيان الصهيوني  والأطراف الخمسة الملاصقة له (مصر، سوريا، لبنان، الأردن، الفلسطينيين).

الواضح اليوم أن الكيان الصهيوني انتقل من الحروب الكلاسيكية المتعارف عليها إلى اتباع إستراتيجيات إبادة وتطهير عرقي وترحيل جماعي يمارسه بكل وقاحة دون أي رادع ودون التقيد بالقوانين والمنظمات والأعراف الدولية.

ما يعزز تمادي العدو الصهيوني في شن الحروب هو عدم وجود، على الجانب العربي، ما يمكن تسميته «إستراتيجية عسكرية عربية»، وما تمت إقامته في إطار جامعة الدول العربية من خطط للعمل العربي المشترك، لم يكن سوى مشاريع خطط «على الورق». ذلك أن الواضح أنه كانت لكل دولة مصالحها الخاصة التي تحرص عليها بالدرجة الأولى. وكانت الأهداف المشتركة عامة، وغير محددة المعالم، وكأنها لم توضع للتطبيق. فقد كان هناك هدف عربي معلن بعد عام 1948 هو تحرير فلسطين، بينما لم تكن أي دولة عربية تعد قواتها لتحقيق هذا الهدف، فالخطاب السياسي الرسمي شيء والواقع شيء آخر مختلف.

أبرز الحروب التي قام بها الكيان الصهيوني على مدى تاريخ اغتصابه لفلسطين حرب 1948 باسم حرب فلسطين، أو «النكبة»، وتطلق عليها «إسرائيل» «حرب الاستقلال». وقد نشبت تلك الحرب عقب إعلان قيام «إسرائيل» في 15 مايو/ أيار 1948، حيث قامت قوات من مصر وسوريا والأردن ولبنان والعراق بدخول «إسرائيل» لمنع قيامها على أرض فلسطين، واستمرت العمليات العسكرية حتى يناير/ كانون الثاني 1949، حين سيطر العدو وأدى ذلك إلى تأكيد تقسيم فلسطين، وخروج أكثر من 400 ألف فلسطيني من أراضيهم.

الحرب الثانية هي حرب 1956 التي تعرف دولياً باسم «حرب السويس»، أو «العدوان الثلاثي»، حين قامت كل من فرنسا وإنجلترا بالتنسيق مع «إسرائيل»، بشن هجوم شامل على مصر بدأ في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 1956، بدخول «القوات الإسرائيلية» إلى سيناء. ورغم انسحاب القوات المصرية من سيناء، فإن الضغط الدولي السوفياتي والأميركي والمقاومة المصرية، أدت إلى إنهاء العمليات في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني، وانسحاب «إسرائيل» عام 1957 من سيناء.

الحرب الثالثة كانت حرب 1967 وتعرف  بحرب «النكسة»، بينما تطلق عليها «إسرائيل» «حرب الأيام الستة»، وكانت نتيجتها احتلال العدو شبه جزيرة سيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية، والضفة الغربية وقطاع غزة الفلسطينيين، إضافة إلى القدس الشرقية.

أما الحرب الرابعة فهي حرب 1973 وتعرف باسم حرب السادس من أكتوبر ويطلق عليها الصهاينة «حرب يوم كيبور» (أو عيد الغفران)، فقد قامت القوات المصرية والسورية في إطار خطة عسكرية مشتركة، بشن هجوم مفاجئ ضد القوات «الإسرائيلية» في سيناء والجولان. توقف إطلاق النار يوم 24 أكتوبر/ تشرين الأول، وبدأت في أعقاب الحرب مفاوضات لفض الاشتباك الذي تم فعلياً في بداية عام 1974.

الحرب الخامسة هي حرب 1982 على لبنان حين قام العدو الصهيوني بغزو لبنان لتدمير قواعد منظمة التحرير الفلسطينية، ووصل غزوه إلى بيروت  وحصار القسم الغربي منها لمدة عشرة أسابيع ارتكب خلالها مذابح صبرا وشاتيلا ، قبل أن ينسحب إثر ضربات المقاومين لقواته وبعد التوصل إلى اتفاق بشأن خروج «القوات الفلسطينية» من لبنان. وكانت أهم نتائج غزو لبنان قيام دولة العدو «إسرائيل» بتوسيع «الشريط الحدودي» الذي كانت قد احتلته في جنوب لبنان عام 1978. وأثبتت حرب 1982 أن لبنان، الذي كان يمثل الحلقة الضعيفة عسكرياً في دول الطوق، شكل بفعل المقاومة ،إرباك لأمن الكيان الصهيوني، وإظهار حدود قوته العسكرية، وهو ما وضح تماماً في السنوات التالية للحرب وما تبعها من حرب 2006 وتطورات الوضع الميداني في جنوب لبنان الذي قاد إلى انسحاب العدو في 25 أيار 2000 تحت تأثير ضربات المقاومة الوطنية وانهيار ما كان يسمى ب«جيش لبنان الجنوبي» ودخول المقاومة الوطنية إلى مناطق الجنوب.

ولم تكن حرب 1982 على لبنان هي الأخيرة بل تلتها حروب صغيرة جعلت المنطقة في حال عدم استقرار دائم. ولعل الحرب على قطاع غزة هي الأكثر دموية ووحشية في تاريخ الحروب الصهيونية التي لا تنتهي والتي تجعل منطقتنا على فوهة بركان جاهز للفوران في كل لحظة.