إنّ صراع الخيرِ والشّرِّ في العالم مُتّقدٌ منذ تكوينه، ومُستمرٌّ ما استمرّ، ومتغيِّرٌ ما تغيّر، لكنّ الأكيد أنّهُ صراعٌ بين مفهومين: حقٌّ وباطل. في مسيرة هذا الصّراع يُغربَلُ البشر، فيسقط من يسقط، ويربح من يرتقي، حتّى لو خسر حياته، وسنينه، وأهله، وأحباءه، كرمى لقضيّةٍ تُساوي وُجوده. نحنُ نكتُبُ هذه السُّطور وقاماتُنا شامخة، وغيرُنا يتوانى خلف كذبه كالفأر، “فيا لِذُلِّ قومٍ لا يعرفون ما هو الشّرف وما هو العار”.
ثمّة مدعُوٌّ اسمه وليد نسيب الشرتوني، كان مقيماً منذ زمنٍ بعيد في عين الرمانة، لا أستحضره هُنا وزناً لشخصه، بل لأنسُب إليه بضعة مُغالطات كذب بها وروّجها للرأي العام، ولأنّ هذا التّعليق سيبقى من بعده ومن بعدي، وُجِب علينا أن نترُك ردّاً، حتّى يعرف من يودُّ البحث عن الحقيقة، من الأجيال المُقبلة، أينها.
يعتبرُ المعلّق في بداية كلامه، الذي ذكره على إحدى صفحات الجهل والظلامية، أن الحوار واجب في المجتمعات المتحضرة، أما حرية التعبير فتشكِّل خطراً إذا كانت العقيدة مستوردة ضد حدود الوطن وكيانه، ويعني بها عقيدة الحزب القومي.
يتبادر لذهننا أن نسأل ما هي العقائد المستوردة حول العالم وغير المستوردة؟
فإذا كان فكر أنطون سعاده مستورداً هل لنا أن نعرف من أين استورده؟ ثمَّ إن الأفكار والعقائد لا تقفُ عند حدودٍ معيّنة بل تنتقلُ كالحضارة من مكان لآخر، إلا إذا عنت بيئة معينة وخاطبت شعباً ما.
فإذا كان على سبيل المثال الفكر الشيوعي أو الاشتراكي الذي اجتاح نصفَ الكوكب في العقود الماضية ولا يزالُ سائداً في بعض الدول، أيضاً مستورداً، فسوف نعتبر كل الاشتراكيين والشيوعيين حول العالم متّبعين لعقيدة مستوردة من تجارب ماركس وإنغلز في أوروبا ولينين وستالين في روسيا وماو تسي تونغ في الصين وهو شي منه في فيتنام وشي غيفارا وفيديل كاسترو في أميركا اللاتينية.
وإذا اعتبرنا العقائد الدينية أيضاً مستوردة، فسوف نعتبر المسلمين أينما كانوا، مؤمنين بعقيدة مستوردة من الصحراء العربية والمسيحيين مؤمنين بديانة استوردوها لبلادهم من فلسطين والهندوس جاؤوا بديانتهم من الهند كما البوذيين جاؤوا بها من الصين.
أما فكر سعاده الذي حاول استنهاض أمة ظنّ أعداؤها أنها قد انقرضت منذ زمن، فهذا استيراد معادي للحدود وللكيان اللبناني الذي نشأ لأسباب معروفة وقضى حتى الآن مئة عام ونيّف أيضاً بظلّ ظروفٍ معروفة، لا بل ممتازة مع نظامٍ مُركَّب ولا أروع وأحزاب طائفية ولا أجمل.
وينهي البداية بالقول إن لبنان الحيادي والمستقل هو حزبه وعقيدته، طبعاً لأن الوطن الذي نشأ لأسباب طائفية على يد الاستعمار هو الغاية والملاذ، بدل أن نرسي وطناً حديثاً، قوياً، ومُصاناً من أبنائه الموحدين، ونبحث عن الوسائل الآيلة إلى تحقيق هذه الأهداف، بدل أن نتحوّل إلى مهزلة حتى في أعين فرنسا التي أنشأته.
يضيفُ المعلّق بأنه غير حزبي ولا يدافع عن عائلة الجميّل، متناسياً بأنه حاملٌ لبطاقة كتائبية منذ مطلع شبابه ومتّهم بإفلاس بنك المشرق بالتعاون مع أمين الجميّل، بحيث قيل أنه اختلس مبلغ خمسين مليون دولاراً، وسُجِن فترة غير قصيرة في رومية حيث كنتُ أسمعُ مناداته للزيارة أواخر حكم الأمين دون أمانة، الذي أخرجه بالواسطة.
وقد فرَّ بعدها إلى المغترب حتى لا يقرّ بالسارق الأساسي، ولم يعدْ أبداً، حتى أن زوجته لور أبو جودة التي تشاركه ميوله السياسية، هجرته لسوء طباعه الزوجية والعائلية.
وهنا يتوجه بالمباشر لي ليصفَ رسالتي بأوصاف تشبهه ولا تتضمن الرسالة شيئاً منها، فيما لم يكن لديّ عِلم باستضافة كليب لابنة بشير وإلا لما وافقتُ على إرسالها، ليكملَ بالتالي وصفَه لي بالعميل المأجور لنظام بربري وبأن لديّ أسياد وما شاكل ذلك.
لأنه من السهل رمي الاتهامات دون أي دليل فيما لا يجهلُ أحدٌ انتمائي الحزبي وعدم انصياعي أو تبعيتي لأية جهة مهما كانت، مما يفسِّر عدم تبني أية جهة لِما قمتُ به.
ولأنه يرى في المقابل أنه من الطبيعي أن يدعم أخيه مالياً ليحمل بندقية ويقاتل في صفوفهم لسنوات، فيما لم أفعلْ شيئاً من هذا القبيل.
متناسياً أيضاً حقيقة ثابتة ومعروفة لدى قلة معمِّرة من أبناء شرتون، وهي بأن خاله أي أبي هو الذي بنى لوالديه مدرسة ظلت تدرِّسُ أبناء الجيرة لسنوات، وحيث عثرتُ في مكتبة منزلنا القديمة على دفاتر دفع الرواتب لطاقم التدريس، الذي تضمَّن لفتراتٍ متفاوتة الأمينين إنعام رعد وعادل طبرة، ما سمحَ له بادّخار مبلغ ليمضي به فقط سنتين إلى بلجيكا حيث ادَّعى أنه تخصّص هناك بالاقتصاد.
ثمّ لا يكتفي بهذا القدْر أنما يضيف بأنني السبب في مقتل أهلي وأقاربي وتشريد البقية، فيما تمهلت في مغادرة المنطقة لسببين، أحدهما حتى أدفع أنا شخصياً الثمن بدل الأبرياء لعلمي ببربرية ميليشيا الإنعزاليين ومدى إجرامهم، ليعودَ وينصحني في الأخير بتسليم نفسي حتى أرتاحَ وأُريح، متناسياً أيضاً بأنه تولَّى استفساري لدى عودتي من فرنسا وبطلبٍ منهم، عن مشاركتي الحركة الوطنية بنشاطٍ طلابي ما، عندما وصلَهم تقريرٌ من أحد عناصرهم، الذي شاهدني خلال انتخابات الاتحاد العام للطلبة اللبنانيين هناك، ثمَّ عرفَ بنجاتنا بعد حصول الانفجار في مبنى جدي، الذي بيع بثمنٍ زهيد بسبب استيلاء الكتائب عليه.
فوشى بي ثمَّ حضر التحقيق للتمويه في ثكنة العبد – بعد أن اتصل به الياس الشرتوني رئيس جهاز أمن بشير والذي كان سيُعيَّن رئيساً لجهاز أمن القصر الجمهوري – وحيث أُعدِم أهلي، كما أُعدِم الآلاف من المواطنين اللبنانيين وغير اللبنانيين المغادرين لبيروت المحاصرة والمنكوبة.
وفي الأخير يوجّه تعليقه من واشنطن التي كانت تبدِّل له كل سنة سياراته الكاديلاك الفخمة، بحيث استغربَ أبناء القرية عن مصدر ثرائه الفجائي بعد عودته من بلجيكا بفترة وجيزة، وشرائه لمكتب ومطبعة ومنزلين له ولشقيقه، إنما يتبيَّن دون أن يتبيَّن، بأنه لم يتصل بأية جهةٍ أميركية لا في بلجيكا ولا في لبنان، ولم يعمل أبداً لصالح الولايات المتحدة، إنما منحته أموالأ وسيارات فقط لخضار عينيه.