تحية من القلب لأمي

تمضي الأيامُ بسرعةٍ دونَ أنْ ندركَ بأنّها ستأخذُ أجملَ لحظاتِ الفرحِ، ودونَ أنْ ننتبِهَ للسعادةِ التي تحيطُ بنا، إلى أنْ تفقدَ الأمَ وحنانَها.

أذكرُ أنّني عندما كنتُ أعودُ منَ المدرسةِ – سيرًا على الاقدامِ- في أغلبِ الأحيانِ، كنتُ أقفزُ فوقَ بركِ الماءِ الصغيرةِ لأستعرضَ رشاقتي، أو أقْذِفَ برجلي حصىً أو قنينةً بلاستيكيةً فارغةً …. إلى أنْ أصلَ على مقربةٍ منَ البيتِ، أضعُ يديَّ على رأسي وأمثلُ أمامَ أمَي بوجعِ الرأسِ. قائلاً: رأسي رأسي ….« كأنّو صابوني بالعين» وأنا من صغري ومازلْتُ لا أؤمنُ بالعينِ، وعلى أيِّ شيءٍ ستُصيبني العينُ؟؟ هلْ على جمالي …. أو سماري….. الذي كانَ يميلَ إلى الأسودِ منْ كثرةِ الشيطنةِ على مدارِ السنةِ!!

ولكنْ كلَّ ذلكَ لكي أرتمي بحِضْنِها لتداعبَ شعريَ وتبدأَ بقراءةِ أشياءٍ لا تُسْمَعُ، وترافقُها بتثاؤبٍ يشعِرُني بالنّعاسِ فأتثاءبُ، فتقولُ لي: «شفتْ عليك عين قوية» أُخْفي ابتسامتي بيديَّ وأغرقُ في النومِ …..

لحظاتٌ لا تُنْسى، لا تقدرُ ولا تشبهُ أيَّ شعورٍ آخرَ ….

لمْ أكنْ أعلمُ أنّها السعادةُ التي تمتلكُني ……

هيَ تلكَ الأمُّ التي لمْ تكنْ متعلمةً ولا تجيدُ القراءةَ حتّى، ولكنّها كانَتِ المعلمةَ والمهذبةَ ….. كيفَ كانتْ تستطيعُ أنْ تتابعَ كلَّ هذهِ الأعمالِ … البيتَ الازهارَ الحمايةَ التنظيفَ والطبخَ؟ …. وما إنْ يأتي الربيعُ حتّى تبدأ «السليقة» فكلُّ يومٍ خضرةٌ طازجةٌ «مشّي وحمص» أكلتي المفضلةُ. حتّى بعد زواجي ورغمَ مرضِها كانتْ تُرسِلُ حِصّتي مطبوخةً إلى بيتي. كذلكَ سلطةُ «المخ بعبو والهندباء البرية»

كيفَ لمْ نعِ أهميةَ ما نحياهُ

ولكنْ، للأسفِ كلُّ شيءٍ جميلٍ لا نشعرُ بهِ إلّا بعدَ الغيابِ ….

أمّي الغاليةُ قدْ تكونُ هذهِ المرةُ الأولى التي أستجمعُ قوايَ لأكتبَ عنكِ ولكِ ….

أتشجعُ لأقولَ لكِ عذرًا على ما أزعجَكِ منّي … على صوتي الذي ارتفعَ بوجهِكِ …..

أعلمُ أنّكِ مرتاحةٌ الآنَ بعدَ أنْ أرهقَكِ الزمنُ والمرضُ …..

أنا لا أحبُّ أمّي أكثرَ منْ غيري، فكلُّ الأمهاتِ مقدساتٌ …

كلُّ ما أطلبُهُ أنْ تهتموا بأمهاتِكم، وأن تقدّروا قيمةَ الوقتِ معها، قبلَ أنِ ترحلَ دونَ عودةٍ ……

أمّي،

حيثُ أنتِ،

كلَّ عامٍ وأنتِ بخيرٍ.

رمزي شيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *