أول أذار: مشعال الوحدة

اعتاد السوريون القوميون الاجتماعيون وأصدقاؤهم، منذ العام 1934، بحضور سعادة، أو باستحضاره بعد استشهاده، أن يحتفلوا بذكرى ميلاده، في الأول من آذار/مارس، في كلّ مكان يتواجدون فيه، في الوطن وعبر الحدود، في المعتقلات، في منازلهم وأماكن عملهم، لا يرهبهم القمع، ولا تمنعهم التحديات والتعديات والتهديدات، من احياء هذه المناسبة في وحدة روحية عزّ نظيرها. فتشتعل في الآول من آذار قمّم الجبال بالنيران رمزا لخروج الأمة، من ظلام الليل إلى أنوار الفجر الجديد، فهذا هو اليوم الذي صنعه الدهر كي تفرح به الأمة، بميلاد باعث نهضتها ومنقذ حياتها.  واعتزاز سعادة بهذه المناسبة، كان عظيما، ليس تمجيدا لشخصه مجرّدا عن التعاليم القومية الاجتماعية التي في جوهرها وحدة الأمة، وليس لايمان القوميين به فحسب، من جهة واحدة، بل لإيمان متبادل بينه وبينهم، ليكونوا عصبة واحدة أوفياء لزعيمهم الواحد الأحد، مخلصين لوحدة هذه القضية بصحة تعاليمها ومؤسساتها الواحدة. سعادة وفى بقسمه، غير الملزم، فحمى وحدة الزوبعة والعقيدة والمؤسسات وأعضاء الحزب، بدمه، في أروع ملحمة استشهادية في الفلسفة التموزية، عرفتها الأمة في تاريخها فكان فيها القدوة لأجيال من الشهداء والاستشهاديين، مارسوا البطولة المؤيدة بصحة العقيدة، فكان الأول من آذار رمزا لولادة أمّة أبت أن يكون قبر التاريخ مقرا لها، أمّة أبـت إلا أن تكون هي بانية لصروح تاريخها بارادتها هي وقوتها هي، وبقيم زوبعتها ـ الحرية والواجب والنظام والقوة ـ وبمثلها العليا في الحقّ والخير والجمال.

القوميون الاجتماعيون الذين أراد لهم سعادة أن يكونوا عصبة واحدة و«قيادة صالحة»، من أجل صيانة وحدة الزوبعة والعقيدة والمؤسسات، لم يفوا بقسمهم الملزم  نتيجة البلبلة الفكرية،بغياب الثقافة القومية البناءة والصراع على السلطة والتجاذبات السياسية اللاقومية والأنانية والفردية ..، فشلعوا الزوبعة إلى أجنجة، فعطّلوا فعلها الوحدوي، وشرذموا المؤسسات  الواحدة، وبدل أن يسيروا نحو الأمام لتوحيد الأمة من خلال وحدتهم الروحية المتينة ساروا نحو الوراء، نحو جاهلية ما قبل النهضة، «قطعانا» حزبية، يبحثون ويتجادلون في «جنس» الحزب، في الوقت الذي تلتهم فيه  الخطة  اليهودية وأذنابها المعادية أرضنا وتبيد شعبنا..

أيها القوميون الاجتماعيون حزبكم هو من جنس سعادة، فقط، ولاجدال في ذلك، ولا معنى للحزب وراء ذلك وكفى خداعا، فإما ثالوث مقدس واحد، كما أراد سعادة «عقيدة واحدة ـ زوبعة واحدة ـ حزب واحد»، أو لا حزب سوري قومي اجتماعي خارج هذا الثالوث.

فإلى متى الانغماس في سياسة النعامة؟ استيقظوا أيّها المعنيون (وأنا لا أسميكم) وانهضوا وأرفعوا رؤوسكم من بين الرمال وأنقذوا وحدة حزبكم قبل أن يحين قطاف رأس الأمة، ولا ينفع الندم حينها، وأنتم وحدكم ستتحملون المسؤولية التاريخية في خراب الأمة وسقوطها.

أيها القوميون الاجتماعيون، سعادة أمن بكم وحدكم: بوحدتكم الروحية المتينة، بعقولكم الواعية المدركة، بقلوبكم الخيرة المحبة، بسواعدكم سواعد الأبطال وأكتاف الجبابرة. فأنتم النخبة المختارة، أنتم الجماعة الواعية المتنورة، أنتم الأمة خلقا وابداعا، أنتم الأمة القائدة، الهادية المعلمة، أنتم دولة الأمة السورية المصغرة، أنتم أعمدة بناء هذه الأمة وعماد مجدها وميعاد عزّها. وأنتم بما أنتم فكيف ترضخون وتستكينون وتستسلمون لما فرض عليكم من الشرذمة والتباعد، والتباغض، والاذلال، والضعف؟ فإلى الثورة، إلى الوحدة، إلى ملكوت آذار وتشرين وتموز، إلى سعادة.

اكراماً لــ سعادة في ذكرى مولده، لتكن لنا الجرأة والشجاعة في العودة إلى وجداننا القومي الاجتماعي، ولنلهج بنهج الوحدة هوية واحدة للحزب.

أيها القوميون الاجتماعيون

عودوا إلى عقولكم وقلوبكم ونفوسكم الآبية وايمانكم، عودوا إلى ساحة الجهاد القومي موحدين جنوداً في مختلف مجالات الصراع الحياتي، الأمة في محنتها الكبرى تتطلع إليكم، إلى صحّة عقيدتكم، ومتانة أخلاقكم واخلاصكم لثقة سعادة والأمة بكم، على أنّكم أنتم الصدر الذي يتلقى الضربات عنها والدرع الذي يحميها والسيف الذي يقاتل من أجل نصرتها وعزّها ومجدها.

الدعوة إلى الوحدة في هذه المناسبة العظيمة هي دعوة حقيقية في المعنى والمبنى في المضمون والشكل، دعوة إلى توحيد الروح واللغة والتوجهات، والبيانات، والاحتفالات، والمؤتمرات.

 لعلّ وعسى أن تلهمنا أنوار الأول من آذار القدرة على الانتصار على ذواتنا الفردية الأنانية المدمّرة، وعلى الخلافات الداخلية المفتتة لوحدتنا، وان تكون هذه الذكرى ملهمة لنا لتحقيق وحدتنا الروحية الفاعلة، التي أوصانا بها سعادة في أخر خطاب له في ذكرى الأول من آذار قبل أربعة أشهر من استشهاده:

«إنّها وحدة الروح.  ووحدة الروح هي شخصية الأمة الحيّة. فاذا قلنا أنّنا قد أصبحنا أمّة حيّة، نقول ذلك لأنّه قد أصبحت لنا وحدة الروح.

وحدة الروح شيء بعيد عن ادراكه المائتون من أجيالنا المتدهورة، وحدة الروح شيء لم يعد إلى قلوب المائتين سبيل له . ولكن لو دعونا الأموات لينظروا ويسمعوا لحدث شيء مخيف جدا لهم، وهذا الشيء هو أن ينساقوا في هذه الروح وأن تدبّ الروح فيهم وأن يحيوا ». أول آذار 1949

أيها القوميون الاجتماعيون، لقد قدّم سعادة لكم في حياته كلّ ما تختزنه نفسه العظيمة من عاطفة ومحبة وثقة وعطاء لا متناه، لقد وفى بقسمه غير الملزم، مفتديا الأمة والحزب بدمه الزكي.. إنّ سعادة اليوم هو أحوج ما يكون لكم، لوحدتكم وجهادكم.. فكونوا أوفياء له،  إن سعادة يناديكم، فلبوا النداء إلى الوحدة حتى تنالوا مباركته ورضاه:

«أيها القوميون الاجتماعيون ما أعظم رضاي عنكم، وما أشدّ اعتزازي بكم، وما أروع الانتصار الذي أسير بكم إليها، إنّ نفسي  تبارككم ..أنا معكم ووسطكم  بروحي لنتابع انشاء تاريخنا وتغيير وجه هذه الأمة ووجه العالم العربي ».

اطمئن يا وطني ففي رباك الجميلة ولد المعلم في الأول من آذار مشعال نور ونار نور أضاء ليل هذه الأمة ونار تحرق من يقف في طريق نهضتها ووحدة روحيتها ومؤسساتها:

«وطني اطمئن.. فجيلك المئناف، باسمك يُقسم

أن سوف يثأر للكرامة من عداك فتسلم..

قسما بمجدك، لن تذلّ، وفي رباك معلم

يا باعث الأمال فينا.. والقنوط مخيم

يا حامل المشعال.. والدنيا لنا تتجهم

بوركت.. أنت النور .. والآفاق ليل أسحم

حُييت.. أنت فتى الربيع المنشد المترنم »

من قصيدة«جرح البطولة»، لشاعر النهضة الرفيق محمد يوسف حمود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *