تضعنا واشنطن اليوم أمام واقع جديد للسيادة، من خلال مطار بيروت المنتهكة كرامة أبنائه، بالرضوخ لتغريدات افيخاي ادرعي، ناطقاً باسم رغباتها، هي وربيبتها.
نموذج أدى لجنون الشارع، بعد حالة الإذعان التي تعاطت فيها الدولة مع هذه التهديدات.
وبين التعاطف مع الحراك الشعبي الذي حصل، أو رفضه، يمكن الإضاءة على الاتجاهين:
البيئة الشعبية التي قدمت فلذات أكبادها وأرزاقها فداء للوطن، ولا تزال المواجهة قائمة مع هذا العدو الغاصب والطامع بالمزيد، ولا تزال آلته الحربية تفعل قتلاً وتدميراً من الجنوب وحتى البقاع، وحيث لا يزال مصراً على تثبيت نقاط عسكرية له في تلال ومواقع استراتيجية.
الفريق الآخر الرافض لأقفال طريق المطار امام العابرين منه وأليه، ويدعو ما حصل شغباً، وحيث بات واضحاً دخول ما يسمى بطابور خامس على الخط، أدى إلى ادانة الغاضبين، بالمسؤولية عن استهداف سيارة للأمم المتحدة ومن بداخلها، رغم استنكار فريقي الثنائي للفعل، واعتباره ليس من قبلهم، إلا ان التفاعل الديبلوماسي مع الحدث سبب ارباكاً كبيراً للدولة، علماً انه لم يسبق لعواصم العالم ان علقت على الاعتداءات التي قام بها جيش العدو في الجنوب تجاه اليونيفيل ابان العدوان، وما سببته من تدمير واصابات لهذه القوات.
ايضاً ترافق الأمر مع تصاعد الأصوات الداعية إلى فتح مطار القليعات، ولهذه الدعوات اشكالياتها المتعددة، لما تحمله من ازدواجية اهداف، وفيما يرى فيها البعض تخلصاً من مرور اضطراري على طريق المطار، والبيئة الجغرافية المحيطة، يرى بعض اخر من فعاليات ونواب منطقة الشمال، انه يحمل انماء اجتماعياً واقتصادياً للمنطقة، لكن الثابت ان الأمر لا يخلو من اهداف تقسيمية، عند فريق لا يزال يراهن على ذلك.
إشارة هنا، ان هذا الفريق المتحمس للانماء، لماذا لا ترتفع أصواته داعية إلى تأهيل مطار رياق؟ ولماذا لا نسمع دعوات لإنشاء سكة حديد تربط هذا الكيان من شماله إلى جنوبه؟ فتعيد التواصل بين أبناء الشعب وتعزز من انمائه الاجتماعي والاقتصادي على السواء، وهذه السكك كانت قبل الحرب الاهلية في السبعينات ويمكن تأهيلها. وفي هذا المجال التجارب عديدة في العالم عن أهمية تعزيز تواصل المجتمعات من خلال تعزيز وسائل النقل البعيدة.
الأن يبقى الشاغل الأكبر موضوع الانسحاب الإسرائيلي في الموعد المقرر إذا كان سيؤجل أسوة بالموعد الأول، بعدما ثبت ان العدو يحظى بغطاء اللجنة المكلفة اميركياً وفرنسياً بالإشراف على التنفيذ، ويبدو انها تشيع الأنباء عن بقائها في المواقع الاستراتيجية التي تريدها؟
كيف سيكون تعاطي المقاومة، الملتزمة إلى الآن بقرار وقف النار وتعهد إلى الدولة والجيش متابعة التنفيذ؟
وهذا الامر بات استمراره، على المقاومة، لا لها، لأنها لن تقبل ببقاء العدو يحتل القرى أو يشرف عليها، ويقطع اواصرها، كما يشاع ، يفعل فيها تدميراً وطحناً لبناها التحتية، ليصعب على الناس العودة وإعادة اعمار ما تهدم وزرع ما ازيل، في جريمة حرب موصوفة على الدولة إن لا تبقى متفرجة ،بل عليها ان ترفع شكواها للمنظمات الأممية للتعويض من دولة الكيان وداعميه.
الخطورة هنا ان فريقاً من داخل لبنان لا زال يراهن على الاستقواء بالخارج، لتحصيل نتائج على الساحة الداخلية، تسمح له بفرض شروطه ودفع المقاومة إلى اعلان الهزيمة والعودة لتكون حزباً سياسياً منصاعاً لترتيبات الخارج على بلادنا، تحت عنوان تغير الواقع!
يغيب عن بال هؤلاء ان اضعاف لبنان ودفع العدو إلى التمادي في الهيمنة، هو الغاء لقدرة الدولة على فرض سيادتها على مؤسساتها كافة، وهذا لا يحصن البلاد، بل يؤدي إلى هزيمة للبنان، يفعلها العدو واتباعه بالسياسة عندما لم يحصل عليها بالحرب.
ان أي استغلال لهذا من قبل من يمكن تسميته باللوبي اللبناني والاغترابي الحاقد، في واشنطن حيث يتمركز هؤلاء إلى جانب الإدارة الجمهورية، قاصدا، فرض اجندة إسرائيلية على البلد، تبدأ في شمالي الليطاني وتنتهي في اخر منزل على حدود القصير وشرقي لبنان، وتقضي بنزع اخر قطعة سلاح للمقاومة، وآخر نفس مقاوم، تحت عنوان جعل لبنان رهن المشروع التطبيعي الابراهيمي، والحجة هي الحياد، الاسم الآخر لشعار «قوة لبنان في ضعفه».
علماً ان ما تواجهه امتنا وهي رهن أطماع هذا العدو، من خلال الشرق الأوسط الجديد، المزمع استكماله، وهذا العدو طيلة ثمانية عقود، لم يرضخ ، لأية قرارات أو مواثيق دولية، بل هو في حلّ منها.
يحضر هنا قول سعادة عن منظمة الأمم الآتي: «ان هذه المنظمة لم تنشأ كنتيجة لإنسانية عامة، بل من أمم منتصرة، لتقرّ الحق الذي تقرره الأمم المنتصرة.»