تتوالى المساعدات المالية والعسكرية الغربية لأوكرانيا تباعاً وهذه المرّة حزمة مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار ستتضمّن بطارية – والبعض يرجّح بطاريتين من منظومة باتريوت الأميركية للدفاع الجوي إضافة الى حزمة من المساعدات العسكرية ستشمل عربات برادلي الأميركية وعربات ماردر الألمانية ودبابات مدولبة فرنسية من طراز AMX-10RC والعديد من أنظمة الأسلحة الفنلندية والبريطانية والإيطالية وغيرها .
بداية لا بدّ من الإشارة الى موضوع أساسي سيحسم الجدل حول من يستنزف من ، روسيا او الغرب الجماعي وعلى رأسه أميركا ؟
حتى اللحظة تجاوزت المساعدات الغربية لأوكرانيا ال 100 مليار دولار من بينها اكثر من 80 مليار دولار مساعدات عسكرية وهذا يعني ضعف موازنة وزارة الدفاع الروسية التي تبلغ حوالي 50 مليار دولار فقط ، علماً بأن كلفة العملية العسكرية الروسية الخاصة لم يتجاوز حتى نهاية السنة الفائتة 15 % من مجموع موازنة الدفاع الروسية أي ما يعادل 6 مليارات دولار .
هذا المبلغ طبعاً يرتبط فقط بالأعمال العسكرية حيث تقوم وزارات مختلفة من ضمنها وزارة الطوارئ ووزارة الداخلية ووزارة الصحة بتحمل أعباء ذات طابع أمني وإجتماعي تشير المعلومات الى ان مجموع ما تمّ صرفه حتى اللحظة لا يتجاوز 3 مليار دولار باستثناء هوامش مضافة على ميزانية وزارة الدفاع تتعلق بدعم اسر الجنود القتلى والجرحى وهامش آخر يرتبط بإعادة اعمار مدينة ماريوبول .
واذا ما أضفنا مبالغ الأعباء العسكرية الى أعباء الطوارئ والأمن وإعادة الإعمار فإن مجموع المبالغ لا يصل الى 20 مليار دولار وهي كلفة متدنية قياساً بما تم صرفه من الغرب الجماعي في أوكرانيا .
بالمقابل فإن اكلافاً مباشرة وغير مباشرة تسببت بها العقوبات المفروضة على روسيا وطالت غالبية دول الإتحاد الأوروبي الذي تعاني بلدانه من نسب تضخم تتراوح بين 10 الى 22 % إضافة الى بدء ارتفاع نسب البطالة وغلاء الأسعار غير المسبوق لسلع أساسية كالغاز والمواد الغذائية لارتباطها في الأصل بروسيا كمورّد أساسي الى أوروبا .
وبالعودة الى مسألة المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا لا بدّ ايضاً من توضيح مسألة مهمة تدحض الأقاويل الغربية التي تتجه الى تكوين مشهد مغاير للواقع يحاول ترويج الهزيمة والتقهقر الروسي .
هذه المسألة شديدة الوضوح ولا تحتاج الى جهابذة لشرحها وهي لو أنّ ترسانة الجيش الأوكراني التي كانت تضم عدداً هائلاً من الدبابات والعربات المدرعة والمدافع والراجمات لم تتضرر كما تدّعي أوكرانيا والغرب فما الحاجة الى مطالبة زيلنسكي تزويد بلاده بالدبابات والعربات المدرعة والمدافع والراجمات ؟
والواقع انّ ترسانة الجيش الأوكراني ومن بينها سلاح الجو تم تحييدها بنسبة 60 الى 65 % في الأيام الأولى للعملية وهذا ما تؤشر عليه الفيديوهات والصور من الميدان والتي تُظهر نسبة عالية من مدافع M-777 وعربات المشاة الغربية المختلفة ومن بينها عربات إسرائيلية ، إضافة الى اعتماد الجيش الأوكراني على مدافع M-777 الأميركية ومدافع قيصر الفرنسية وراجمات هيمارس الأميركية وأنظمة الدفاع الجوي المختلفة من كروتال الفرنسية الى ايريس – تي الألمانية واخيراً أنظمة SAMP-T الإيطالية ومنظومة باتريوت الأميركية وغيرها الذي تضمن الآف صواريخ ستينغر المحمولة على الكتف والتي تم استهلاكها دون تأثير مجدي بمواجهة الطائرات الروسية لإمتلاك طائرات سلاح الجو الروسي على أنظمة تشويش مضادة .
الأمر نفسه ينطبق على صواريخ جافلين الأميركية المضادة للدروع و N- LAW الإنكليزية التي كانت فاعلة في الأيام الأولى للعملية ومن ثم تم إيجاد وسائل وإجراءات مضادة لها حولّتها الى أنظمة فاشلة بنسبة كبيرة .
في الختام لا بدّ من كلمة حول صواريخ باتريوت التي تنوي اميركا تزويد أوكرانيا بها وعربات برادلي وماردر والدبابات المدولبة الفرنسية .
بالنسبة لصواريخ باتريوت فالتجارب اثبتت عدم تفوقها على أنظمة اس – 300 الموجودة اصلاً لدى أوكرانيا وكذلك عدم تفوق أنظمة الدفاع الغربية المختلفة قصيرة ومتوسطة المدى على منظومات الدفاع الجوي الأوكرانية سوفياتية المنشأ والتي طورتها أوكرانيا بشكل كبير .
وكما هو الحال في سلاح المدرعات الأوكراني لجهة تدمير الجزء الأكبر منه كذلك حصل مع أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية وهو ما يضطّر الأوكرانيين للمطالبة بأنظمة دفاع جوي غربية .
في المبدأ تحتاج أوكرانيا لحوالي 90 بطارية دفاع جوي لحماية الأجواء واغلاقها امام الطيران الروسي وهو أمر متعذر الحصول لأسباب تقنية ومالية ، ما يعني ابن بضع بطاريات دفاع جوي غربية لن يؤدي استخدامها الى متغيرات كبيرة في أوضاع المعركة حيث يمكن ببساطة وفي لحظة الضرورة التعامل مع هذه البطاريات وتدميرها عبر اغراقها بعدد كبير من الطائرات المسيرة الإنتحارية يتجاوز قدرتها على التعامل وأساليب أخرى ترتبط باستغلال الزوايا الميتة وأساليب أخرى لا مجال لذكرها الآن .
كذلك بالنسبة للعربات المدرعة كبرادلي الأميركية وماردر الألمانية وهي عربات نقل مشاة مهمتها الأساسية نقل جنود المشاة الى الحد الأمامي وهنا لا بد من ذكر ان الدبابات الروسية وأنظمة المضاد للدروع يمكنها البدء بالتعامل مع هذه العربات وهي على بعد 4 كلم من الحد الأمامي وبذلك تفقد هذه العربات جدواها وفائدتها القتالية اذا لم تكن وهي في حالة المسير بحماية الدبابات التي بات عددها قليلاً .
انطلاقاً من هذه المعطيات لا يبدو اننا امام متغيرات جذرية في ميزان القوى الذي سيبقى في المشهد العام لمصلحة روسيا اقله حتى تغير وضعية الميدان الحالية وانتقال الجيش الروسي من وضعية الدفاع النشط الى تنفيذ اندفاعات تكتيكية وربما عملياتية خلال الشهرين القادمين .
عمر معربوني- خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية