تعتبر منطقة الجزيرة السورية والتي يمكن وصفها بمجتمع العالم القديم لما تتميز به من تنوع اثني وثقافي وحضاري ، فقد استقر السريان والآشوريين في مراكز المدن الرئيسية كالحسكة والقامشلي والمالكية وعامودا والدرباسية ورأس العين و مدينة تل تمر بالضافة الى 35 قرية على ضفاف نهر الخابور بأعداد كبيرة ونشأن حول ضفافة اعرق الحضارات والمدن وما زالت شواهدها الى الأن ، إضافة الى المكون الكردي الذي يشكل 25 – 30 % من المكون المجتمعي والذي بدأ بالتمدد من أقصى شمال شرق الجزيرة السورية في بدايات القرن التاسع عشر وصولا الى أرياف المدن الرئيسية ومنها الى المدن الرئيسية فيما بعد بالإضافة للمكون العربي والذي تميز بحالة البداوة قاطنا« ضفاف نهر الفرات والقرى المحيطة به كقبائل الشمر والعقيدات وغيرها بالإضافة لأعداد قليلة من الكلدان و اليزيديين والشركس والأرمن والشيشان والتركمان ، وقد قدر التعداد السكاني قبل الحرب لمنطقة شرق الفرات بحوالي 4.5 مليون نسمة وخلال العقد الماضي ونتيجة الحرب الأخيرة حدثت تحولات ديمغرافية كبيرة وواضحة أدت الى اختفاء جماعات سكانية وزيادة نسبة جماعات أخرى ، كل ذلك نتيجة الهجرة أو التهجير وتعرض المنطقة لهجمات وابادات من قبل التنظيمات الاسلامية التكفيرية بالإضافة للوضع الاقتصادي الصعب أضف الى ذلك تجفيف المنطقة من قبل العثمانيين الجدد عبر قطع شرايين المياه والتي كانت لآلاف السنين مصدر الحياة والحضارة ، فقد تراجع تعداد المكون السرياني بشكل كبير ، قدر التعداد قبل الحرب بحوالي 250 الف نسمة موزعين على مدن القامشلي والحسكة والمالكية وعامودا ورأس العين والدرباسية والقحطانية وحوض الخابور ونتيجة لما تعرضوا له خلال الحرب من تهجير وقتل وتجويع وخطف وابتزاز ، فقد تعرض الأثرياء من السريان للخطف والابتزاز من قبل عصابات عديدة ، وتعرض أبناء الريف الى القهر الاجتماعي والاستيلاء على الممتلكات وحرمانهم من الزراعة وحرق محاصيلهم من قبل عصابات التهجير والجماعات الاسلامية التكفيرية وما تعرضت له المنطقة من غزو تركي وحشي مما أدى الى انخفاض التعداد الى أقل من 10% فقط متواجدين في المدن الرئيسية ، وتركزت الهجرات الجماعية للسريان من شرق الفرات الى البلاد الاسكندنافية ، أما بالنسبة للمكون الآشوري فهو على وشك الإندثار ، ليصل تعداده فقط الى حوالي 1000 شخص حول ضفاف نهر الخابور والذين قدر عددهم قبل الحرب بحوالي 75 الف نسمة موزعين على عشرات القرى حول نهر الخابور وصولا الى مدينة تل تمر وذلك بسبب هجمات التنظيمات التكفيرية الاسلامية وما فعلته من قتل وتهجير بالاضافة الى مضايقات المكون الكردي لهم واستمرار القصف التركي على المنطقة بشكل دائم مما أدى الى هجرة جماعية لما تبقى من الآشوريين الى كندا واستراليا بعد تقديم التسهيلات اللازمة لهم ، وتأتي خسارة الكلدان بالكامل فلم يتبقى منهم سوى حوالي 1000 شخص حيث قدر تعدادهم قبل الحرب 15000 نسمة تم تهجيرهم لتعرضهم للقتل والابادة كما باقي المكونات ، وكذلك كانت خسارة المكون الأرمني الذي يعتبر عصب الصناعة وصياغة الذهب في مدن القامشلي والحسكة والرقة مع العلم أن للأرمن قبل الحرب مدارسهم الخاصة وأنديتهم وجمعياتهم ، أما بعد الحرب فقد بقي منهم في مدينة القامشلي 400 عائلة فقط من أصل 2000عائلة ، فكانت هجرتهم الجماعية الى أرمينيا والدول الاسكندنافية كل ذلك بسبب ما تعرضوا له من ابتزاز وخطف وتقتيل واعمال عسكرية على يد الجماعات الاسلامية التكفيرية وما تعرضت له المنطقة من اعتداء عسكري تركي ، وكذلك الحال مع المكون الشيشاني الذي تركز تعداده في مدينة رأس العين والذي تعرض للتهجير على يد الجماعات الاسلامية المدعومة من تركيا بالاضافة للاعتداء المتكرر من قبل جماعات كردية والاستيلاء على اراضيهم الزراعية وممتلكاتهم ونهب بيوتهم مما ادى الى هجرة جماعية الى بلدان اوروبية والى جمهورية الشيشان وبقي عدد قليل يكاد لا يذكر من العائلات في قرى ومدن متفرقة ، وهذا ما تعرض له الشركس أيضا ، أما التركمان فمن بداية الحرب هاجروا بشكل جماعي الى تركيا لنفس الأسباب السابقة ، أما بالنسبة للمكون اليزيدي فقد اندثر تماما» ، لقد تعرض لأبشع وسائل القمع على يد الجماعات الاسلامية التكفيرية من قتل وسبي واغتصاب وتهجير وتدمير للممتلكات وحرق للقرى مما دفع السلطات الألمانية الى فتح باب الهجرة لهم بشكل جماعي . أدى هذا الانحسار لهذه المكونات جميعها (السريان والآشور والكلدان والأرمن والشيشان والشركس واليزيديون ووووو) الى تمدد المكون الكردي والعربي على حساب باقي المكونات الاخرى الأساسية فقد شهدت المنطقة دخول أعداد كبيرة من الأكراد من خارج منطقة شرق الفرات بالإضافة لأعداد كبيرة من المكون العربي القبلي فتم الاستيلاء على ممتلكاتهم وأراضيهم وقراهم بشكل كامل ، رغم تعرض العديد من القرى الكردية والعربية أيضا لهجمات الجماعات الاسلامية التكفيرية وما لحق بها أيضا من تهجير ونزوح الى المدن الرئيسة وقليل منهم هاجر الى أوروبا ، مما زاد من التعداد السكاني لهذه المدن وزاد من معاناتها .وأدى الى تغيير ديموغرافي كبير ، رغم كل هذه المعاناة تأتي الأطماع العثمانية لتزيد من صعوبة الاحداث فما زالت تركيا تحشد قواتها وتهدد باجتياح واحتلال شرق الفرات وما زال الطيران التركي والمدفعية تستهدف قرى الخابور والحسكة والقامشلي ورأس العين يوميا وما زال التهجير والابادة مستمرة رغم تشكيل فصائل مقاتلة مما تبقى من السريان والآشور للمشاركة في مقارعة هذا العدو التاريخي للأرض والحضارة السورية ، ان فقدان التنوع الثقافي والأثني والمذهبي لشرق الفراق افقدها قوتها الثقافية والاجتماعية ، فالتنوع غنى ثقافي والتعددية قوة ، فالمجتمعات ذات اللون الواحد مجتمعات ضعيفة تقترب من الانقراض الثقافي منها الى التطور , يبدو أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يخطو خطواته بوتيرة عالية ، ويبدو أن اللوحة الفسيفسائية الرائعة في الجزيرة السورية قد اصبحت اشلاء .

