الابراهيمية مرجع وآلية الغرب

بعد وعد بلفور وقرار التقسيم وسلسلة من اتفاقيات التفريط بالحق تأتي الإبراهيمية لتتوج مساعي الغرب لتسويق المغتصب في البيئة العربية وتشرع له الأبواب باسم الإيمان.

والأنكى من ذلك أن من يسوق لهذا المشروع هم أنفسهم من غالوا في طرح الدين المحمدي لعدة قرون كمنقذ للبشر واعملوا السيف بالرقاب لمن تسول له نفسه القول بعكس ذلك.

الطرح الإبراهيمي ليس طرحاً حديثا فقد تم طرحه بأوروبا في العام 1811 تحت مسمى الميثاق الإبراهيمي حيث قيل ان الله وهب إبراهيم الأرض والذرية وأنه سيكون رحمة للعالم باسره، وتجدد الطرح سنة 1949 مع المفكر الفرنسي لويس ماسينيون عبر مقالة الصلوات الثلاث لإبراهيم، بحيث رسّخه كأب لجموع المؤمنين، أما جيمي كارتر فطرحه كمشروع سياسي عام 1985 في كتاب أصدره بعنوان «دم إبراهيم » تناول فيه اتفاقية كامب دايفيد، وكان مسك الختام مع مجموعة مفكرين وخبراء دين وسياحة من جامعة هارفرد اطلقوا مبادرة «مسار الحج الابراهيمي» بحيث يبدأ المسير من مدينة أور مروراً بإيران والشام وصولاً إلى مدينة الخليل الفلسطينية.

الطرح الأميركي الجديد للمشروع بعد سلسلة الإخفاقات التطبيعية انما لإنهاء قضية فلسطين التي استعصت عليهم طيلة القرن الماضي وبدايات الحالي.

وانطلاقاً من مقولة لأنطون سعاده «كلنا مسلمون لرب العالمين» يمكن لنا كأمة وكمجتمع إيماني عربي ودولي التصدي للظاهرة وذلك بتوضيح فكرة الإسلام بأبعاده المختلفة سيما وانه ورد في سورة آل عمران «ما كان إبراهيم يهودياً أو نصرانياً أو من المشركين، بل حنيفا مسلماً، أي خاشع لله. فجميع الأنبياء الذين ظهروا في هذه البقعة من العالم دعوا للتوحيد،» إياك نعبد وإياك نستعين، أما الطرح الشرعي والتشريعي فقيل «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاج». بهذا الفهم للتوحيد وللآيات البينات وتعاليم يسوع ووصايا موسى وجميع الأنبياء الذين نقلوا كلمة الرفيق الأعلى يمكن لمجتمعنا أن يتصدى للظاهرة السياسية للطرح الإبراهيمي، فكل ما علينا فعله هو إماطة اللثام عن جوهر التوحيد، وان العدل الإلهي يجب أن لا يقتصر على فئة معينة من البشر حملت  الدين ما يتناسب مع وظيفتها في قهر الأخر واستعباده وجعله مطية لأغراضها كما حال العجماوات.

إذا كان الدين عند الله هو الإسلام، فعلى أهل الإيمان أن يدركوا أن هذا الإسلام

دين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام دين واحد، وإن تنوعت شرائعهم: قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)

فالإسلام هو دين الأنبياء جميعا، وهو الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره؛ كان مشركا، ومن لم يستسلم له؛ كان مستكبرًا.

سعاده كان واضحاً في ما دعاه لإطلاق النهضة القومية الاجتماعية في سوريانا، ووحدة المجتمع، كمقدمة لاسترداد السيادة والنضال المستميث لوقف الهجرة اليهودية التي نظم الصهاينة حركة ارتحالهم من أوروبا لفلسطين، ليس محبة بهم ولا لحفظهم من الإبادة الأوروبية التي كانت آخر مظاهرها النازية، بل لاستخدامهم كذريعة في وضع اليد على المقدرات، ان في السابق بالجزيرة العربية أو اليوم بحقل الغاز المتوسطي .

ان الطرح الإبراهيمي الجديد القديم لتسويق وجودهم وجعلهم يعيشون في بيئتنا كما لو أن شيئاً لم يكن، يتطلب منا استفساراً ثقافياً حضارياً مدرحياً وتراثنا الروحي الإسلامي في أبعاده المختلفة يمكنه أن يدحض كل مزاعم الغرب وحركته البهلوانية خصوصاً إذا ما أضفنا إليه حقيقة البعد الروحي لما أنتجته الأمة وتاريخها الموغل في القدم من شرعة اورنمو التي سبقت شرعة حمورابي بثلاثة قرون دون نسيان صفة بيروت كأم للشرائع في الفترة الرومانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *