ما إن بدأت الاقتصادات العالمية تشهد تعافيًا من تداعيات جائحة (كورونا)، خلال عام 2021، حتى ارتفعت التوقعات الدولية بتحسن أداء الاقتصادات العالمية خلال عام 2022، حتى نشبت الحرب “الروسية- الأطلسية” في أوكرانيا الوكيل الإقليمي الذي أدار بوصلته بالتوجه نحو الغرب بعد الانقلاب غير الدستوري عام 2014 وتسلم قيادة كييف نخب راديكالية قومية، كانت الولايات المتحدة ودول غربية قد أسست لهذا المسار، وبنت قاعدته القومية باستدعاء النازية، ومعسكراتها التدريبية وفيالقها الناشئة بالإضافة إلى الجماعات الإرهابية، والمرتزقة الأوروبيين، وعشرات الآلاف من الخبراء الغرب والمدربين، وتدفق الأسلحة ومليارات الدولارات، وبناء مختبرات بيولوجية، وبدأت بتوجيه ضرباتها ضد القوميات من الأصول الروسية في إقليم دنباس وعدد من المقاطعات،
وثماني سنوات من الحرب، لم يلتفت إليها أحد، وعندما بدأت موسكو بطرح الملف حول الضمانات الأمنية، وإيقاف تمدد حلف الناتو، لم تكترث له الولايات المتحدة، ولا حلف الناتو.. وحدها روسيا كانت تدرك بما يبيت لها من خطط لتدميرها، بينما العالم أغواه الإعلام الغربي المضلل والخداع عن ترديد مصطلح “الغزو الروسي”، لكن ما صرحت به المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل في مقابلة تلفزيونية، قد كشف المستور، وفضحت الغرب، عندما قالت :” إن الاتفاقيات السابقة بين روسيا وأوكرانيا في مينسك كان هدفها شراء الوقت لتمكين أوكرانيا من بناء الجيش الذي سيتحدى روسيا”. كان ذلك في العام 2015 عندما كانت روسيا تبحث على طاولة الحوار تسوية مشكلة إقليم الدنباس مع أوكرانيا.. تلك الترتيبات كانت تتمهل فيها امريكا لاكتساب مزيد من الوقت لإعداد القوات وامدادها بالأسلحة الذي شكل جسرا جويا لنقلها إلى كييف. حينها بدأت روسيا بمواجهة الأخطار للدفاع عن أمنها القومي، وفرضت عليها العقوبات التي ألقت بظلالها على الاقتصادات العالمية، وصولاً إلى أزمة سوق العقارات، وتشديد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بزيادة أسعار الفائدة، ما أدى بسبب كل هذه العوامل مجتمعة إلى انخفاض النمو العالمي هذا العام إلى 3.1%، وهو ما يقل كثيراً عن توقعات التعافي التي رسمها الاقتصاديون في بداية 2022، ليكون النمو عند 4.7%. وكان لارتفاع معدلات التضخم نتيجة اضطرابات سلاسل الإمدادات والتوريد، وارتفاع أسعار السلع الغذائية ومصادر الطاقة؛ ما دفع البنوك المركزية إلى اتخاذ سياسات نقدية تشددية لمواجهة الارتفاعات المستمرة في معدلات التضخم، والتي أسهمت بدورها في تفاقُم التوقعات بالتراجع الحاد في معدلات النمو العالمي خلال عام 2023. هذه المؤشرات جعلت الاقتصاد العالمي يتجه لتسجيل تضخم في 2022 يتجاوز 9% مقارنةً مع 2021، فإنّ غلاء الأسعار المرافقة لزيادات أسعار الفائدة ستنتقل إلى 2023، مع تعثر جهود خفض الأسعار المستهدفة 2%.
تقديرات البنك الدولي
بالاستناد إلى تقديرات البنك الدولي التي تشير إلى أن الركود الاقتصادي العالمي هذه المرة سيكون أعمق مما حدث مع بداية أزمة كورونا، وقد كشفت دراسة جديدة شاملة للبنك الدولي أن العالم قد يتجه نحو ركود اقتصادي في 2023 وسلسلة من الأزمات المالية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية ستُسبِّب لها ضررا دائما، وذلك مع قيام البنوك المركزية في أنحاء العالم بزيادات متزامنة لأسعار الفائدة لمكافحة التضخم.
وتشير الدراسة الجديدة إلى أن البنوك المركزية في أنحاء العالم قد أقدمت على رفع أسعار الفائدة هذا العام بدرجة من التزامن لم تُشهَدها خلال العقود الخمسة الماضية، وهو اتجاه من المرجح أن يستمر في العام القادم. ولكن المسار المتوقع حالياً لزيادة أسعار الفائدة والإجراءات الأخرى على صعيد السياسات قد لا تكفي للنزول بمعدلات التضخم العالمية إلى المستويات التي كانت سائدة قبل تفشِّي جائحة كورونا. ويتوقع المستثمرون قيام البنوك المركزية في العالم برفع أسعار الفائدة الأساسية إلى نحو 4% خلال عام 2023، وهي زيادة تربو على نقطتين مئويتين عن متوسط أسعار الفائدة في عام 2021.
ووجدت الدراسة أنه ما لم ينحسر تعطُّل سلاسل الإمدادات، وضغوط أسواق العمل، فإن تلك الزيادات لأسعار الفائدة قد تُفضي إلى ارتفاع معدل التضخم الأساسي على مستوى العالم (ماعدا الطاقة) في 2023 إلى نحو 5%، أي ما يعادل تقريبا ضعفي المتوسط في السنوات الخمس قبل الجائحة. ووفقاً للنموذج الذي اعتمدت عليه الدراسة، فإنه لخفض التضخم العالمي إلى المستويات المستهدفة، قد يتعيَّن على البنوك المركزية زيادة أسعار الفائدة نقطتين مئويتين إضافيتين. وإذا صاحبت هذه الإجراءات زيادة الضغوط في الأسواق المالية، فإن معدل نمو إجمالي الناتج المحلي العالمي سيتراجع إلى 0.5% في 2023، وهو انكماش قدره 0.4% من حيث متوسط نصيب الفرد من النمو يوافق التعريف الفني لركود عالمي.
التوترات الجيوسياسية
يشير تقرير حديث صادر عن “S&P Global Market Intelligence” أنّ جائحة كورونا والحرب الروسية الأطلسية والصدمات الجيوسياسية الأخرى ستستمر في التأثير على الاقتصاد العالمي حتى عام 2023.
وهناك خمسة موضوعات شاملة ستشكل السياسة الاقتصادية في 2023، وهي: النزاعات التي لم يتم حلها، وأمن الطاقة، واضطرابات سلاسل التوريد ستظل عرضة لنقص العمالة والموارد، وتحول أسواق العمل مع تجاوز الطلب للعرض، والركود المحتمل في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية.
وفي وقت سابق من 2022، كان لدى العديد من المديرين الماليين نظرة قاتمة للظروف الاقتصادية في كل من أمريكا الشمالية وأوروبا في أعقاب الظروف الجيوسياسية التي تلوح في الأفق وارتفاع التضخم.. الآن، ستستمر هذه التوقعات القاتمة حتى عام 2023، بالتزامن مع التوترات الجيوسياسية لخلق الانقسامات في ظروف الاقتصاد الكلي.
فضلا عن استمرار الحرب الروسية – الأطلسية في أوكرانيا، إضافة إلى المخاطر الأخرى التي لم يتم حلها حتى عام 2023، لتتحول إلى التوقعات الاقتصادية العالمية.
ولا تزال سلاسل التوريد عرضة لنقص العمالة والموارد، فضلا عن انحسار تداعيات جائحة كورونا ستخف هذه الاضطرابات أيضاً لكن بحلول نهاية 2023.
ويبدو أنّ الولايات المتحدة والصين أمام مرحلة جديدة من الخلافات التجارية، بعد حظر واشنطن الأجهزة والمعدات الصينية اللازمة لبناء شبكات الإنترنت خلال وقت سابق من العام الجاري. وفي حال تصاعد الخلافات التجارية بين الجانبين، فإنّ الاقتصاد العالمي في 2023 سيواجه تأثيرات سلبية على النمو قد تتجاوز 1.5% .
تحديات إقتصادية
يُواجه الاقتصاد العالمي خلال عام 2023، مزيجًا من عدة تحديات، تتضمن الحرب “الروسية-الأطلسية”، وزيادة أسعار الفائدة لاحتواء التضخم، والآثار الوبائية المستمرة لجائحة (كورونا)، التي تُسهم جميعها في تفاقُم التوقعات السلبية لنمو الاقتصاد العالمي خلال عام 2023، الذي تتضح أهم ملامحه فيما يلي:
1 – انكماش حاد في نمو الاقتصاد العالمي، إذ من المتوقع أن يشهد النشاط الاقتصادي العالمي تباطؤًا واسعًا؛ خلال عام 2023، مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم، وما تُسهم به من زيادة تكلفة المعيشة، وتشّديد الأوضاع المالية في معظم المناطق، واستمرار الحرب “الروسية-الأطلسية”.
وتُشير التنبؤات إلى تراجُع نمو الاقتصاد العالمي من: 6.0% في عام 2021؛ إلى: 3.2% في عام 2022؛ ثم: 2.7% في عام 2023؛ ما يُسّهم في تراجُع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار عجز تراكمي يصل نحو: 17 تريليون دولار، أي ما يقرب من: 20% من الدخل العالمي، بحسب توقعات (أونكتاد) بتراجع معدل نمو الناتج الإجمالي العالمي من نحو: 2.5% في عام 2022، إلى: 2.2% عام 2023.
ويتوقع “صندوق النقد الدولي” أن تتراجع معدلات نمو الاقتصاد الأمريكي من نحو: 5.7% في 2021؛ إلى نحو: 1.6% في 2022، ثم إلى: 1% خلال عام 2023 القادم، بينما تتراجع الاقتصادات الأوروبية من نحو: 5.2% في 2021؛ إلى نحو: 3.1% في 2022؛ ثم إلى: 0.5% في 2023.
2 – نمو بارز لاقتصادات منطقة “آسيا” و”المحيط الهاديء”، في حين تُلقي التوقعات السلبية بظلالها على الاقتصاد العالمي بشكلٍ عام، وترتفع التوقعات بالتراجع الحاد لدرجة الركود الذي ستواجه “أوروبا” و”الولايات المتحدة”؛ خلال عام 2023، تتوقع (ستاندرد آند بورز) أن تُحقق منطقة “آسيا” و”المحيط الهاديء” – التي تُنتّج: 35% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي – نموًا حقيقيًا بنسبة: 3.5% في عام 2023، ومن ثم ستُهيمن على النمو العالمي خلال العام، بدعم من اتفاقيات التجارة الحرة الإقليمية، وسلاسل التوريد الفعالة، والتكاليف التنافسية؛ ما يمكن الاقتصاد العالمي من تجنب الركود، ليشهد نموًا ضئيلاً بنسبة: 1.4% في عام 2023، مقارنة بنحو: 5.9% في عام 2021، ونحو: 2.8% لعام 2022، ليُعاود ارتفاعه إلى نحو: 2.8% في عام 2024؛ و3.0% في عام 2025.
3 – تراجُع نسبي في معدلات التضخم، من المتوقع أن يرتفع التضخم العالمي من: 4.7% في عام 2021؛ إلى: 8.8% في عام 2022، لكنه سينخفض إلى: 6.5% في عام 2023، من جراء السياسات التشّددية التي انتهجتها البنوك المركزية لمواجهة تصاعد موجات التضخم، وإلى: 4.1% بحلول عام 2024.
ومن المتوقع أن يصل التضخم في الاقتصادات المتقدمة إلى: 7.2% في 2022، ليتراجع إلى: 4.4% خلال عام 2023 المقبل، فيما يتوقع أن يبلغ معدل التضخم ذروته في الاقتصادات الناشئة والنامية، ليقترب من حاجز: 10% خلال عام 2022 الجاري، قبل أن يتراجع إلى: 8.1% في عام 2023.
4 – استمرار ارتفاع أسعار الطاقة عام 2023، من المتوقع أن يشهد عام 2023 أزمة طاقة حادة، لا سيما في “أوروبا”، بموجب “العقوبات الغربية” على قطاع الطاقة الروسي وتحديد سقف لأسعار الغاز ، وانقطاع إمدادات الغاز الروسية.
وإذا استمرت التخفيضات الجارية والمُخّطط لها في إمدادات الطاقة من “روسيا” إلى “الاتحاد الأوروبي”؛ وفي حال ارتفاع الطلب على “الغاز” بسبب الشتاء، فسيؤدي ذلك إلى ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار “الغاز” ومصادر الطاقة بنسبة: 50% خلال الربع الأول من عام 2023؛ ما يعكس الضغوط الأوروبية على أسواق “الغاز” العالمية التي تُحاول الحصول على إمدادات إضافية.
كما يؤدي ارتفاع أسعار “الغاز” إلى رفع أسعار الأسمدة، التي من المفترض أن ترتفع بنسبة: 25%. ومن المتوقع أن يمتد الطلب المتزايد على إمدادات الطاقة إلى أسواق “النفط”، مع افتراض ارتفاع أسعار “النفط” بنسبة: 10%.
5 – ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميًا، قد يكون للارتفاع الحاد في أسعار الأسمدة خلال عام 2022 الجاري، ونقص إمدادات الأسمدة الروسية تأثير سلبي على حجم المحاصيل في العام المقبل؛ ما يؤثر سلبًا على مستوى الأمن الغذائي للدول، وخاصة في الأسواق الناشئة والبلدان النامية، بالإضافة إلى تزايد تواتر الظواهر الجوية المتطرفة وشدتها بسبب التغيرات المناخية، التي تؤثر سلبًا على الإنتاجية الزراعية للمحاصيل؛ ما يُسّهم في حدوث مزيد من الارتفاعات في أسعار المواد الغذائية التي من شأنها أن تضع ضغطًا تصاعديًا إضافيًا على التضخم وتزيد من حدة الفقر والجوع.
وفي هذا الإطار تتوقع “الأمم المتحدة” أن يُعاني نحو: 19 مليون شخص إضافيين من سوء التغذية، مع ما يقرب من: 830 مليون شخص يُعانون من الجوع في جميع أنحاء العالم.
ومع تعرض الإمدادات الغذائية للخطر، قد تلجأ بعض الدول إلى فرض حظر جديد على تصدير المحاصيل الزراعية؛ ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار مرة أخرى.
6 – ارتفاع ضئيل في معدلات البطالة، على الرغم مما شهدته أسواق العمل الدولية من معدلات تسّريح خلال جائحة (كورونا)، ومن جراء تداعيات الحرب “الروسية-الأوكرانية”؛ حيث تباطأت الشركات في توفير فرص عمل، فمن المتوقع أن يشهد عام 2023، ارتفاعًا متواضعًا في نسبة المشاركة في القوى العاملة، ومن ثم فإن من المُرجّح أن تشهد معدلات البطالة ارتفاعًا قليلاً بنسبه: 4.3% في أواخر عام 2023.
7– تفاقُم مستويات الديون العالمية، حيث أسهم ارتفاع أسعار الفائدة بدوره في ارتفاع خدمة الديون؛ ما أدى إلى إضعاف قدرة الحكومات المثقلة بالديون على السّداد، خاصة في الدول النامية، كما يُسّهم ارتفاع سعر صرف “الدولار الأميركي”، نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية، في تعرض الشركات الأجنبية التي اقترضت بالعُملة الأميركية لخطر الإفلاس وعدم القدرة على السداد.
ركود عالمي
من خلال عرض أهم الملامح المتوقعة التي تشهدها الاقتصادات العالمية خلال العام القادم، ترتفع التوقعات بتراجع معدلات النمو الاقتصادي، لكنها تختلف في حدة تلك التراجعات؛ ما يضعنا أمام سيناريوهات لمدى قدرة الاقتصاد العالمي على النمو:
1 – السيناريو الأساسي
في السيناريو الأساسي، يفترض البنك أن تهدأ الرياح المعاكسة من أسواق السلع الأساسية واضطرابات سلاسل التوريد. وفي ما يتعلق بالسياسة النقدية، من المفترض أن ترتفع أسعار الفائدة العالمية قصيرة الأجل، والتي تُقاس بمتوسطات الناتج المحلي الإجمالي المرجحة للأسعار الوطنية من 1.6% عام 2021 إلى ذروة 3.8% عام 2023.
ويعكس هذا توقعات السوق لمزيد من التشديد في العديد من الاقتصادات الكبرى. على سبيل المثال، من المقرر أن ترتفع معدلات الفائدة الرئيسة إلى 3.7% في الولايات المتحدة بحلول الربع الأول من عام 2023.
وفي هذا السيناريو، يتباطأ النمو العالمي من 2.9% عام 2022 إلى 2.4% عام 2023، قبل أن يتعافى إلى 3% سنة 2024. في مندرجات الدراسة التي نشرها “البنك الدولي” بعنوان “هل الركود العالمي وشيك؟”
انطلقت الدراسة من الدروس المستفادة من نوبات الكساد العالمي السابقة لتحليل تطور النشاط الاقتصادي في الآونة الأخيرة، مشيرة إلى أن تباطؤا كالذي يشهده العالم حاليا يتطلب، عادة، انتهاج سياسات لمناهضة التقلبات الدورية من أجل مساندة النشاط الاقتصادي.
2 – سيناريو الانكماش الحاد
إذا كانت الضغوط التضخمية ستظل أكثر ثباتا أو إذا كانت توقعات التضخم ستنجرف إلى الأعلى، فستكون هناك حاجة إلى تشديد السياسة أكثر من المتوقع لإعادة التضخم إلى الهدف.
تاريخيا، في بداية فترات تشديد السياسة، كانت توقعات أسعار الفائدة المستندة إلى السوق في الولايات المتحدة قد قللت من تقدير الزيادات اللاحقة في الأسعار بمتوسط 85 نقطة أساس.
ويؤدي تحليل الآثار المترتبة على الانجراف التصاعدي في توقعات التضخم العالمية إلى تشديد إضافي للسياسة النقدية المتزامنة في سيناريو الانكماش الحاد.
ففي هذا السيناريو، من المفترض أن ترتفع توقعات التضخم في الاقتصادات الرئيسة بانحراف معياري واحد خلال الفصول العديدة القادمة، ما يزيد من استمرار صدمة التضخم العالمية.
ونظرا إلى توقعات التضخم هذه والمسار المتوقع للسياسة النقدية، تظل أسعار الفائدة قصيرة الأجل سلبية، أو قريبة من الصفر، بالقيمة الحقيقية. وهذا هو أحد المؤشرات على “اعتدال” موقف السياسة النقدية المتضمن في التوقعات الحالية لسعر الفائدة. وفي الواقع، يشير السيناريو الأساسي إلى أن الدرجة المتوقعة من تشديد السياسة النقدية العالمية لن تكون كافية لإعادة التضخم الأساسي العالمي إلى معدل متوافق مع أهداف البنوك المركزية المركزي خلال الأفق الزمني المعتاد لمدة عامين تقريبا.
وهذا ما يسلط الضوء على مخاطر الانجراف التصاعدي في توقعات التضخم، ما قد يعقد عودة التضخم إلى هدفه.
ويتضح هذا الخطر بسهولة عند مراجعة إجراءات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خلال فترات التشديد السابقة. وعلى وجه التحديد، لا يزال المسار الضمني في السوق لأسعار الفائدة خلال فترة 2022-2023 أقل بكثير من الاتجاه الأخير لتقارير التضخم الأساسي، على عكس التجربة التاريخية منذ أواخر السبعينيات
3 – سيناريو الركود العالمي
احتمال حدوث تحولات مفاجئة في سياسات الاقتصادات الكبرى يولّد ضغوطا مالية عالمية حادة واضحة في السجل التاريخي لحالات الركود العالمي السابقة. وجرت دراسة هذه النتيجة هنا في ظل سيناريو الركود العالمي.
يفترض هذا السيناريو أن يلاحظ صانعو سياسات الاقتصادات الكبرى زيادة توقعات التضخم أكبر مما هو مفترض في “سيناريو الانكماش الحاد”، فيستجيبون من خلال تنفيذ سياسة تشديد متزامنة أكبر من المتوقع في نهاية العام، ويرفعون معدلات الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس فوق خط الأساس خلال الفترة بين الربع الأول من 2023 والربع الأخير من 2024. ونتيجة لذلك، سترتفع المعدلات العالمية الحقيقية قصيرة الأجل 560 نقطة أساس بين عامَي 2021 و2023، وهي زيادة تُمكن مقارنتها تقريبا بارتفاع 440 نقطة أساس الذي حدث بين عامَي 1980 و1982.
وعند 2.8%، سيكون المعدل الحقيقي لعام 2023 في سيناريو الركود العالمي عند أعلى مستوى له منذ عام 1998.
عرب جورنال / أروى حنيش –