قوة الإرادة

الإرادة قدرةٌ عظيمةٌ تضعنا على السّبيل السليم الذي يؤدي بنا إلى تحقيق أهدافنا التي تمنحنا مستقبلاً أبهى، وإلى توسيع آفاق مداركنا التي تظهر لنا حضارةً أرقى، إذ أنها تنقلنا من القناعة بالزبد على الشاطئ إلى الطّموح للحصول على الدُرّات من أعماق البحار. مهما كانت هذه الغايات بناءةً وراقيةً، ستبقى مجرد رغباتٍ إذا لم ترافقها الإرادة الحازمة التي لا تهزم أمام الصعوبات، والمثابرة القوية التي لا تكلّ من تكرار التجارب، بُغية بلوغ تطلّعاتنا التي ستطوّر مسار حياتنا.

الإرادة تحررنا من الرضوخ إلى واقع ننبُذُ، بمحاذاة إفساح المجال لعقولنا كي تبدع في الابتكار والاكتشاف، كما المطر الذي ينفض عن بصائرنا غبار صحراء الركود. والإرادة تدعم شجاعتنا كي نجابه التخاذل، فنخرج من الدهاليز المظلمة والضيقة لننطلق إلى رحاب الحقول المضيئة والواسعة، ما يخولنا، بمعية هذه الإرادة، أن نجتهد في استنباط قدراتنا فتماشي ما نطمح إلى تحقيقه، لأن بلوغ القمم يتطلّب منّا قوةً هائلة، أما القفز من قمةٍ إلى أخرى، فيستلزم جهوداً جبّارةً للاجتياز بأمان.

 إن الإرادة القوية تدعم عملية اتخاذ القرار التي تمرّ في عدة مراحل لتخلص إلى الرأي السديد. فهذه العملية تعبر صيف التفكير حارقةً بلهيبها كل خنوعٍ، مروراً بخريف التمحيص ليقلّم الهدف من أية شوائب، وصولاً إلى شتاء الإصرار على الانتصار الذي تعصف به رياح الاندفاع والتراجع، وعواصف الثبات والاندثار، لتشرق شمس الإرادة القوية التي هي ربيع طموحات المرء، فيها تزهر قراراته، فيُقدم على تنفيذها مُوقفاً عجلة الضعف والتقاعس، ومرتكزاً عليها لتحقيق نجاحاً مرموقاً.

إن صقل هذه الإرادة بالعقل والوعي توثّق توق النفوس العظيمة للحياة الحرة الكريمة ذات الغايات السامية، وترسّخ إصرار أصحابها على الصعود إلى قمم الجبال رافضين العيش في الأودية. كما أنها تغذي براعم الحرية والاستقلال في أفكارهم، نافحة روح الشباب التي تعجّ بالشجاعة والشموخ في صدورهم، مما يمكّنهم من المواجهة بحزم كلّ تبعيةٍ أو عبوديةٍ متحديين حتى القدر، كي يحيوا حياة عز وظفر. كما قال الشاعر أبو القاسم الشابي: “إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ       فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر”.

امتلاك قوةٌ فعّالة وحجبها، كما وتوفر أفكارٌ عظيمةٌ والتردد في تنفيذها، لن يحرزا نجاحاً، ولن ينيرا ظلمةً. بل يكونان كمصابيح فتانة المناظر، لكنها لن تعطي نوراً ما لم نشعل فتيلها بإرادةٍ صلبةٍ محصنةٍ بالعزم والإقدام لإضاءة المستقبل الواعِد، ونيل السعادة المطلوبة.

كما قال عمر المختار: “ التردد أكبر عقبة في طريق النجاح.” إن التردد في اتخاذ القرارات يؤدي في معظم الأحيان إلى تضييع فرص قد تشكّل نقطة مفصلية في حياتنا، فما لم نتسلح بقوة الإرادة للفصل في شؤون حياتنا ومصيرها نفوّت على أنفسنا الكثير من فتح نوافذ على مستقبل زاهر.

زكية سكاف النزق