إنّ التاريخ الفلسطيني حافل بالثورات المناطقية والهبات الجماهيرية رفضًا للوجود اليهودي الصهيوني والهجرات اليهودية غير القابلة للهضم منذ عام 1919، بسبب ما تحمل من مشروع استيطاني احتلالي عنصري في خدمة الاستعمار الغربي. ولكن معظم تلك الثورات والهبات والانتفاضات لم تتكلل بالنجاح ودحر المشروع الصهيوني، وذلك لعدة أسباب منها: حجم الهجوم الشرس الغربي الاستعماري الراعي للمشروع الصهيوني، وتفكيكه لعناصر القوة لدينا وتمزيقه لوحدة سوريا الطبيعية والعالم العربي من خلال اتفاقيتي (سايكس بيكو) و(وعد بلفور) المشؤومتين، وبالتالي إنشاء كيانات غير مؤهلة لحمل مشروع تحرير أو مواجهة هذه الهجمة الشرسة، او ايجاد طغمة سياسية اشترت وجودها وبقاءها على العروش بالمساومة على فلسطين، بالإضافة الى الجهل والتخلف اللذين أورثنا إياهما العهد العثماني، وضعف الإدارة والتنظيم والتنافس العشائري، بالرغم من وجود الحس القومي والوطني والديني لدى شعبنا في فلسطين الرافض كليًا لهذا الوجود الغريب الذي تسلل في غفلة من الزمن بما يتنافى مع التاريخ والجغرافيا والاجتماع الإنساني.
ورغم كل تلك الثورات المجهضة والهبات الجماهيرية والتضحيات الجسام، الا أنّ المشروع الصهيوني تكلّل بإيجاد كيان على جزء من فلسطين بتآمر دولي غربي، حظي باعتراف الأمم المتحدة المشروط بحق العودة والتعويض، وبحدود مشروع تقسيم عام 1947. لكن الصهاينة ذهبوا أبعد من حدود مشروع التقسيم، وغدت خطوط الهدنة مع مصر والأردن ولبنان وسوريا بعد عام 1948 كأنها حدود لهذا الكيان الغريب رسختها حرب عام 1967، باحتلال ما تبقى من فلسطين، واحتلال سيناء والجولان ومزارع شبعا وتلال كفار شوبا، ورسخها القرار الأممي 242 الذي يطالب بالعودة أو (عودة) الى خط الرابع عام 1967، وكذلك بقية القرارات الأممية اللاحقه، ومؤتمر مدريد واتفاقات كامب ديفيد واوسلو ووادي عربة ومبادرة السلام العربية، وما تلا ذلك من اتفاقات وتفاهمات ولقاءات، وهرولة بعض الدول العربية نحو التطبيع.
إنّ إجهاض الثورة المعاصرة التي انطلقت عام 1965 من أجل تحرير كامل التراب الفلسطيني، وإجهاض الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 من خلال تفاهمات واتفاقيات اوسلو ووعد بإقامة دولتين (يهودية صهيونية على حدود الرابع من حزيران وكيان فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة) أو تطبيق مبادرة (الأرض مقابل السلام) التي تحولت الى(السلام مقابل السلام)، والمماطلات والتسويف والتنكر لكل الاتفاقيات والتفاهمات دفعت الشعب الفلسطيني لخوض انتفاضة ثانية والى العمل المسلح من قبل فصائل خارج منظمة التحرير، ومن ضمنها أحيانًا، بالرغم من تعديل الميثاق الوطني الذي أزال بند الكفاح المسلح لتحرير فلسطين، كما أزال كل ما يتعلق بتحرير كامل التراب الفلسطيني، وأي بنود تتعلق بمعاداة المحتلين أو تبث الكراهية، وطالب بأن تتحوّل فصائل منظمة التحرير الى العمل السلمي والسياسي.
بعد دخولها للأرض المحتلة في عام 1994 بموجب اتفاقية اوسلو، أصبح شعار منظمة التحرير (إقامة المشروع الوطني وبناء الدولة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967) من خلال المفاوضات التي لم يحترمها العدو، ولم يقم لها وزنًا، لأنّ واقع اتفاقية اوسلو ينص على (حكم ذاتي للسكان) وليس على الأرض، مما زاد من وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية، وتقسيم الحرم الإبراهيمي بالخليل مكانيًا و زمنيًا مع المحتلين، ومحاوله تدنيس المقدسات والسيطرة عليها خاصة في القدس باعتبارها (عاصمة الكيان الصهيوني) واعتبار الضفة الغربية (يهودا والسامره) وحصر ما يسمى (السلطة الوطنية الفلسطينة) وهي سلطة الحكم الذاتي المحدود بالمنطقة ألف، حيث أن منطقة باء هي منطقة سيطرة مشتركة، ومنطقه جيم يسيطر عليها العدو. وبمعنى آخر فإنّ (المشروع الوطني) الذي تتغنى به السلطة سيقع على ما نسبته 18 بالمئة من مساحة الضفة الغربية التي تشكل 38% من فلسطين. وإنّ الهجمة الاستيطانية الشرسة في الضفة الغربية من قبل المحتل الصهيوني وممارساته الوحشية من القتل اليومي والاعتقالات والاعتداءات على الشجر والحجر، والتنصل من الاتفاقيات المبرمة وتحويل سلطة المشروع الوطني الى سلطة وظيفية في خدمة أمن الاحتلال والمستوطنين من خلال التنسيق الأمني (المقدس)، ومحاولة إجهاض الحلم الفلسطيني في التحرير والعودة والانقسام الفصائلي (فتح وحماس) ووجود سلطتين متناقضتين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفقدان الأمل بالمصالحة بين مشروعين متناقضين، بالإضافة الى هرولة العديد من الدول العربية نحو التطبيع، واعتبار فلسطين ليست قضيتهم، وهزالة الوضع العربي إثر الثورات الملونة والثورات المضادة ( الربيع العربي) التي تسببت في دمار الكثير من الدول العربية ومحاصرتها، كل تلك العوامل دفعت نخبة وطليعة من الشعب الفلسطيني إلى إعادة النظر بالتجارب السابقة من ثورات موؤودة وانتفاضات مجهضة وهبات مؤقتة ونحو النظر لعوامل الثورة والقوة الكامنة وتفعيلها والاستفادة من المعطيات الموجودة، وتحويل الأزمة الى فرصة، حيث أنّ تجربة المقاومة في لبنان كانت ملهمة لشعبنا الفلسطيني، أي أنّه بالإمكان مواجهة هذا العدو ودحره إذا توفّرت الإرادة الفاعلة والتنظيم الدقيق والعمل العلمي، وتدقيق البوصلة نحو الهدف الرئيس، دون الخوض بصراعات جانبية تحيدنا عن الهدف المنشود. كما كانت تجربة قطاع غزة المحاصر الذي خاض خمس حروب في بقعة جغرافية ضيقة، ولكنه تمكن من تطوير أدائه وتسليحه ومراكمة عناصر القوة لديه من أجل كل فلسطين، بالإضافة الى أنّ العدو رغم شراسته وميله نحو مزيد من التطرف والعنصرية فإنّه يعاني من انقسامات داخليه ومن حالة احباط عام، حيث ارتفعت نسبة الانتحار في جيش العدو، والهرب من الخدمة العسكرية والفساد والتحرش الجنسي والهجرة المعاكسة وفقدان قضية يحارب من أجلها، أمام شعب لم يكفّ عن النضال على مدى قرن من الزمن من أجل حقه وتحقيق العدالة التاريخية. ويرى هذا العدو اننا نعيش في عالم متغيّر، فلم تعد أكاذيب (فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) تقنع أحدًا وما عادت أكذوبة (واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط) تقنع عالمًا يعيش في فضاء مفتوح، وما عادت أيضًا الخزعبلات التوراتية والتلمودية تقنع أصحاب العلم والمعرفة والمؤرخين. وفي ظل ثورة المعلوماتية وتكنولوجيا المعلومات أحسن الشباب الفلسطيني في الداخل والخارج ومعهم أحرار العالم في إظهار الوجه القبيح للعدو الصهيوني العنصري، وإضعاف التعاطف الشعبي العالمي الذي حظي به في مطلع القرن الماضي. كما بات واضحًا أنّ هناك محورًا للمقاومة يراكم الخبرات وعناصر القوة ويؤمن بوحدة الساحات، استطاع ان يدحر الإرهاب التكفيري في العراق وسوريا ولبنان، وأن يجهض مشاريع التقسيم الطائفي والمذهبي، ومشاريع التبعية للغرب، لصالح إقامة شرق أوسط لأصحابه بعيدًا عن الهيمنة والغطرسة الاستعمارتيه الغربية، وقد مثّلت المواجهة الروسية الأطلسية بارقة أمل بانهيار عصر القطبية الواحدة، والتوجه نحو عالم متعدد الأقطاب يحد من سطوة وهيمنة النفود الأميركي والأوروبي الغربي على منطقتنا، وبالتالي يحد من عربدة وعدوانية العدو الصهيوني ومن قوته ودعمه.
إنّ الثورة، أي ثورة، بحاجة الى توفر شروط ذاتية وشروط موضوعية من أجل نجاحها، وكذلك الى التقاط اللحظة التاريخية المناسبة، وبناءً عليه فقد وفّرت المقاومة في غزة قوّة رادعة، كما تشكّلت في الضفة الغربية ظاهرة جديدة من الفدائيين الجدد، فتية آمنوا بحقهم وعدالة قضيتهم ووحدة شعبهم، وأدركوا أنّ المقاومة بكل أشكالها وعلى رأسها الكفاح المسلح هي طريق الخلاص والتحرير، فقفزوا عن الانقسام البغيض إلى وحدة ميدانية تشارك بها معظم العناصر التنظيمية المؤمنة بالكفاح المسلح، وبأنّه لا مجال للمهادنة والمساومة مع هكذا عدو. كما قفزوا عن مشروع سلطة اوسلو لأنّه لا يلبّي الحد الأدنى من حقوق ومطالب الشعب الفلسطيني، فامتشقوا السلاح ونذروا حياتهم وأرواحهم في سبيل التحرر والتحرير وخدمة شعبهم، فاستنهضوا الضفة الغربية بعد طول استكانة، لتتناغم مع المقاومة في قطاع غزة والتي شكلت ظهيرًا لهم يركنون اليه، كما شكلوا ظهيرًا للمقاومة في غزة، وبعثوا الروح النضالية لدى أهلنا في الداخل الفلسطيني الذين لم يخضعوا للأسرلة بالرغم من مرور أكثر من 70 عامًا على محاولات تدجينهم وأسرلتهم، وكذلك الحال لدى أهلنا في القدس المحتلة، فباتت فلسطين من نهرها الى بحرها تعيش على صفيح ساخن وقابلة للانفجار والمواجهة والثورة التي تستدعي الدعم والمساندة ومراكمة عناصر القوة التسليحية والمادية والمعنوية في ظل هذا الاحتضان الشعبي الواضح لكل ذي بصيرة، حيث تشير الدراسات إلى أنّ أكثر من 80% من الشعب الفلسطيني في الضفة الغربيّة مع هذا التوجه، مما يعني بداية أفول السلطة وإحراجها، وكذلك الفرز الطبيعي لمن هم مع الثورة ومن هم ضدها.
وعلى صعيد الشروط الموضوعية فإنّنا أمام الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفًا وعنصرية في تاريخ الصراع، وفي ظل حالة من الترهل والانقسام الصهيوني العمودي والأفقي، وكذلك أمام حكومة تحاول جعل الصراع دينيًا وفق مفاهيم تلمودية عنصرية وهمية، مما يفاقم الصراع الداخلي بين علمانيين وغير علمانيين، ويؤجج الصراع مع الشعب الفلسطيني المتمسك بأرضه وحقوقه الوطنية الثابتة، وكذلك أمام وضع إقليمي ومحور مقاومة واعد في مراكمة القوة والحلول الاستراتيجية، ووضع دولي تهتز فيه وضعية القطبية الواحدة، وهيمنة الدولار لصالح التعددية القطبية. وعليه فإننا أمام ثورة عارمة وواعدة ومسلحة تشمل كل فلسطين، ومعها دعم الشتات الفلسطيني ومحور المقاومة، وتعاطف دولي وهي لن تكون ثورة مجهضة كسابقاتها من الثورات لو الانتفاضات المؤقتة، بل ستكون ثورة شعب طال صبره وانتظاره، ولم تنصفه القرارات الأممية. فحان موعد الوحدة والتصحيح التاريخي وتحقيق العدالة التاريخية، وفاتحة الانهيار لكل الاتفاقيات الظالمة التي مزقت أمّتنا، وحالت دون نهوض شعبنا ليكون له مكان تحت الشمس، ويتمتع بحرية تليق بتاريخ أمّتنا ومستقبل أجيالها. فالنصر في فلسطين بوابة من بوابات الدخول الى وحدة الأمة السورية واتحاد العالم العربي.
عزمي منصور
تحية سورية قومية اجتماعية
لا أعتقد أنه يحق لنا أو لأي مجموعوة أو نظام في الكيانات السورية أن نتساءل عما يحصل في فلسطين المحتلة من انجازات و تضحيات لشعبنا الفلسطيني أهي ( ثورة واعدة أم هبة مؤقتة ) و قد ترك شعبنا الفلسطيني لمصيره عدا بعض المواقف الفردية الا علامية لنقول أننا نقف مع فلسطين!
في كل كيان من الكيانات السورية جيش نظامي و منه فرقة مغاوير – لتفسح هذه الجيوش المجال لجنودها لمن يريد طوعيا أن يلتحق بالمقاومة و الثورة في فلسطين المحتلة هذا اذا كنا نعتبر أن فلسطين هي جزء من امتنا .
خلاصة ليس هناك كيان أو حزب أو مقاومة في سورية الطبيعية تضحي بقد ما يضحي به شعبنا الفلسطيني!