مذكرات جورج حبش كتابا البدايات والرفاق

  جورج حبش كتاباً.. البدايات والرفاق والمصائر تتحدث عنه الزميلة منى سكرية تقول:

 35 سنة تفصلنا عن حوار أجراه الفلسطينيان الراحلان شريف الحسيني وسائدة الأسمر مع الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج حبش؛ حوارٌ انتظر طويلاً، حتى أفرج عنه في نهاية العام 2024، كتاباً بعنوان «البدايات والرفاق والمصائر.. حوار مع جورج حبش»، صادر عن «المركز العربي للأبحاث»، ضمن سلسلة «ذاكرة فلسطين»، حيث قدّم له وحرّره الباحث الفلسطيني المخضرم صقر أبو فخر. في هذا الكتاب نتعرف على نموذج نقدي غير معهود مقارنة بما خبرناه على صعيد تجربة الأحزاب العربية، لجهة انعدام ممارسة المساءلة أو النقد الذاتي. فعلاً؛ في هذا الكتاب، تُفتح أمام القارئ العربي خزائن وتواريخ وسِيَر هذه الأحزاب وقادتها ونتعرف على المزيد من رفاق درب حبش أمثال وديع حدّاد ومحسن إبراهيم ونايف حواتمة.. في هذا الكتاب ثمة أسلوب جديد عندما سَاءَلَ شريف الحسيني وسائدة الأسمر «الحكيم المُؤسّس» للجبهة الشعبية جورج حبش، في حوار ميّزته لمسات مُحاكمة وسعيٌ إلى تدعيم السؤال بالوثيقة فيما يشبه جردة الحساب/الامتحان/العتاب، وذلك من موقع المحاورَين النضالي في قلب الجبهة الشعبية والعمل الوطني الفلسطيني، فكان هذا الكتاب الحواري بمثابة شهادة تُبيّن «طول بال» جورج حبش، وجرأته في نقد الذات، وتعليل التوضيح، والرد على الأسئلة بلا أية محاذير، وإن خانته الذاكرة في بعضها، وهذا لن يعيب سياق النص الحواري أو يُضعفه. يسري ذلك على الرفيقين السائلين وطهارتهما الثورية وحرصهما على مقاربة التجربة بلغة النقد وليس التجريح. أما الزميل صقر أبو فخر فيكاد يكون الجندي الثالث الشريك لشريف وسائدة، بما وفّره في الهوامش من معلومات جديدة، ومن نبْش وتصحيح لوقائع ضبابية، فكان بمثابة المصحح للورقة الأخيرة تهيئة لوضع علامة النجاح أو الفشل في الامتحان النهائي، ولا يخيب أملنا مع صقر المنقب والمدقق لا بل حائك النصوص وناحت الصخور الثقافية. سردية التأسيس أعود للتذكير أننا نتحدث عن كتاب «البدايات والرفاق والمصائر – حوار مع جورج حبش» (108 صفحات)؛ حوار شريف الحسيني (مواليد القدس وابن الشهيد خالد الحسيني. توفي في ربيع العام 2011 في عمان) وسائدة الأسمر (مواليد يافا، توفيت في العام 2022 بعد إصابتها بجائحة كورونا وصدر النعي باسمها الحقيقي حكمت صالح نصّار). حرّره وقدّم له الزميل صقر أبو فخر، كما أسلفنا الذكر. هذا الحوار أُجريَ في العام 1989 في الجزائر، والقصة أوجزها أبو فخر في المقدمة، إذ أن أوراق الحوار اطلع عليها في العام 2007 لمصلحة مؤسسة الدراسات الفلسطينية قبل أن تنام في الأدراج، إلى أن كان القرار فبدأت «مرحلة التحرير والتحقيق وضبط الأسماء والوقائع وصوغ الحواشي، خصوصاً أن معظمه يدور بالمحكية، وفي مطابقة الوقائع على تواريخها، وهو أمر أرغمني على العودة إلى عشرات المراجع المتينة والوثائق الصحيحة»، كما يقول أبو فخر. هو كتابٌ يُعيد تقديم سردية نشوء حركة القوميين العرب، ثم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وما رافق تلك المسيرة من محطات وأسماء يختصرها جورج حبش ووديع حدّاد، وهما «توأمان في الحياة والنضال»، وفي المسلك الطهراني الذي صار في عصرنا الحالي كالعنقاء« (ص7). المحطات والانشقاقات يُشكّل الكتاب وثيقة تزيدنا معرفة والتصاقاً بتاريخ جورج حبش ومساره النضالي والحركي، وهو من الأسماء التي لا يجهلها إلا من لا يُقيم وزناً لفلسطين وثورتها وقادتها وأهلها، لكن سؤالاً لطالما راودني/خضّني: لماذا لم تستطع الحركة الوطنية الفلسطينية عبر تاريخها النضالي أن تكون مشروعاً واحداً مماثلاً من الموقع المضاد للحركة الصهيونية، طالما أن الهدف المشترك هو تحرير فلسطين؟ وكيف لتلك «النكتة السوداء» عن سطوة الانشقاقات أن تدوم كحقيقة في مسار النضال الفلسطيني؟ سؤالي أطرحه من موقع مواكبة معظم فصول التشظي الفلسطيني المستمر حتى يومنا هذا. ثمة العديد مما ورد في الكتاب يستدعي التوقف عنده بدءاً من محطات/انشقاقات تحت سقف المبدأ الواحد رافقت مسيرة «الحكيم» جورج حبش لخّصها بقوله: «لا شك في أن التناقضات التنظيمية تترافق أحياناً مع النزعات الذاتية». وقد استقرأنا بين السطور ذاك التنافر الضمني بين مؤسسي فرع الأردن والمؤسسين في بيروت، وما بين مدني وفلاح، وما بين «جايين يعلموننا». وعن الاختراقات المتبادلة، أي التجسس على بعضهم البعض، والشبهات عن أدوار لقادة من الصف الأول (ترد أسماء البعض منهم في الكتاب). ولكن يبقى السؤال بعيداً عن نوازع النفس البشرية وميولها: أليس للتجايل طبيعته الزمنية؟ ولتداول مواقع المسؤولية سببيتها الحاسمة في إبطال الفردانية؟ ولضربات الظروف غير المتوقعة نتائجها غير المحسوبة؟ بيروت.. والجامعة الأميركية في بيروت، إلتقى جورج حبش (1925-2008) ووديع حدّاد (1928-1978)، «ولم يلتقيا في فلسطين». جمعتهما نكبتها «التي أجرت تغييراً جذرياً في مجرى حياة كل منّا»، فكان العمل والسلوك والقراءة ككتاب كفاحي، وتجربة موسوليني ولينين ونقرأ القرآن ونعرف تراثنا «عناوين مسيرتهما قبل تنضيد الأفكار وتظهيرها برامج سياسية وأيديولوجية». ومن القاعدة الطالبية في الجامعة الأميركية ببيروت وقاعدتها طلاب لبنانيون، « وكان لطلاب طرابلس شأن كبير» (هنا يذكر أبو فخر في الهوامش أنه بسبب قرار رئيس الجامعة الأميركية بنروز طرْد أحمد الخطيب ووديع حدّاد، بادر معن كرامي ومصطفى زيادة وأنيس السراج وغيرهم إلى تهديده بنسف بيته بديناميت الصيد، فتراجع عن قراره)، وتحت خيمة جمعية «العروة الوثقى» ومؤسسها المفكر قسطنطين زريق مارس حبش وحدّاد نشاطهما، «وعندما أُسّست حركة القوميين العرب لم يكن للدكتور زريق علاقة بالموضوع البتة». ثم عملا بعد التخرج من كلية الطب في عيادة واحدة في عمّان «ولم تكن مشروعاً للربح وإنما لخدمة الفقراء وكسب أعضاء جدد، فتعودنا أكل الفلافل»، و«في بيروت بعنا دمنا لجمع تبرعات لتمويل نشرة الثأر التي كنا نصدرها»، وتعرضا للاعتقال مراراً «وكان لزعيم منطقة زغرتا سليمان فرنجية دور في مساعدة وديع حدّاد الحصول على هوية لبنانية بعد تأمين هروبه من السجن في الأردن في العام 1961 بحكم علاقة صداقة مع أقارب حدّاد». اقرأ على موقع 180 السياسة راهناً في لبنان والعالم: أطعْ الرأسمال وإلاّ! عبد الناصر وحبش مسيرةٌ طويلةٌ ومكثفةٌ في حياة ومسيرة جورج حبش تفاوتت خلالها علاقة الثقة بينه وبين الرئيس جمال عبد الناصر قبل أن تعصف بها هزيمة الـ 1967 وأحداث أيلول الأسود 1970 في الأردن، كاشفاً عن نقاشات دارت بينه وبين الزعيم المصري بخصوص الكفاح المسلح في فلسطين وحيثياته ورأي عبد الناصر بأن انطلاق مشروع الكفاح المسلح يحتاج إلى بيئة عربية حاضنة، وعن اختلاف النظرة بينهما بشأن الصراع في اليمن، فعكست في جوانب منها صراحة نقدية متبادلة بين الرجلين، والاعتراف/المصداقية بالأخطاء في هذا السياق، وعن دعم عبد الناصر لإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية وتردد حبش في الانتساب إليها. كما ناقشا محطات مثل تأسيس عبد الحميد السراج كتيبة الفدائيين والوحدة المصرية السورية ثم الانفصال ومخاضات تلك الفترة. أسماءٌ عديدةٌ تمر في طيات صفحات هذا الكتاب من رفقاء ومؤسسين، بينهم وديع حداد ومحسن ابراهيم ومصطفى بيضون ونايف حواتمة «الذي لم يكن في قيادة إقليم فلسطين والذي كان دخوله على الخط مفاجأة بالنسبة إليّ، وكان ذلك في أثناء سجني في دمشق في سنة 1968». وتحضر في الكتاب حكاية تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد هزيمة العام 1967 وانشقاق حواتمة وأحمد جبريل وغيرهم، والخلافات مع حركة «فتح» حول توريط الأمة العربية في قتال إسرائيل. ويحتل الفصل المثير حول اعتقال حبش في دمشق (ربيع العام 1968) وأول عملية خطف طائرة قام بها وديع حدّاد حيّزاً في الكتاب ولو بصبغة سوريالية، «علمنا بالخبر (خطف الطائرة) من أحد قادة البعث المسجونين معنا، وعمّت الفرحة السجن». (أول عملية خطف طائرة نفذها وديع حدّاد في 23/7/1968 من روما وحطت بالجزائر- من الهوامش). انفصال التوأمين أما عن العلاقات الانسانية التي نسجها مع السجّانين، يقول جورج حبش: «ترسّخت علاقتي مع جندي من الطائفة العلوية وكان دائماً يسألني بدك شي؟ هذا الجندي السوري الشهم، ولما وثقت العلاقة به أرسلت معه رسالة إلى فايز قدورة ومنه إلى زوجتي»، فكانت خطوة «الرفيق وديع الذي قابل هزيمة العام 1967 بتصميم جديد وبعنفوان جديد»، إلى أن كان «آخر لقاء بين الإثنين في فندق بغداد العام 1976 وكان لقاءً مكللاً بالدمع والعتاب والتصافي» (من مقدمة صقر أبو فخر). فالخلافات دارت بشأن العمليات الخارجية «على أن يُعلمني وديع بالعمليات التي يُفكر فيها من دون أن أتدخل في التفصيلات، وكان عليّ حصراً أن أحصد كأمين عام للجبهة مردودها السياسي». لكن الانفصال وقع بين «الاثنين التوأمين»، بعد سلسلة عمليات خارجية واحدة منها «لم يكن لديّ أي علم بهذه العملية» (المقصود العملية ضد مقر منظمة الأوبيك في فيينا في الحادي والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 1975. وتم احتجاز وزراء دول النفط/الأوبيك على أيدي مجموعة أبرزهم كارلوس وأنيس النقاش وغيرهما، وخطّط لها كارلوس ووديع حدّاد وفؤاد عوض وكمال خير بك الذي كتب بيان العملية وصدر باسم «ذراع الثورة العربية» من الهوامش).  ختاماً؛ نحن في حضرة كتاب شيّق ولو أن مساحة النشر هنا تساعد، لكنت أوجزتُ الكثير من المقابلات الحوارية التي أجريتها مع حبش في دمشق والمنشورة في جريدة «السفير» لما تتضمنه من مواقف عالية الجرأة. فعلاً، كان جورج حبش مثالاً للصدق والمصداقية وطهارة الأداء النضالي

قراءة نشرت على منصة 180

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *