وحدة المجتمع

منذ نشأته يصارع الحزب السوري القومي الاجتماعي لتحقيق وحدة المجتمع بنشر الوعي القومي ومواجهة العصبيات الفئوية والانقسامات الاجتماعية والتفسخ الروحي على أساس أنه لا يمكن الكلام عن أمة سورية وقضية قومية واحدة إذا لم يكن المجتمع موحداً توحيداً ثابتاً وراسخاً في داخله. وقد جاء في شرح المبدأ الأساسي السادس: “لا يمكن أن تكون أمة واحدة إذا لم يكن هنالك مجتمع واحد، أي إذا لم تكن الهيأة الاجتماعية واحدة.”[1] لذلك يرفض الحزب التجزئة السياسية والاجتماعية ويعتبر ان صحة الأمة وتقدمها لا يكونان إلا في الوحدة الاجتماعية التي بوجودها تضمحل الأحقاد والعصبيات المتنافرة والعلاقات السلبية وتحل المحبة والتسامح القوميان ويقوى الشعور القومي الموحّد لأبناء الشعب. أما التجزئة والصراعات المذهبية والقبلية فتقود المجتمع إلى هلاكه واضمحلاله وقد شهدنا آثار التجزئة والصراعات الداخلية في الأحداث والحروب المتكررة في لبنان والشام والعراق وما نتج عنها من قتل وتدمير وتهجير ومآسي. 

كلنا نعلم أن بلادنا تمت تجزئتها إلى كيانات سياسية منفصلة عن بعضها بإرادة الفرنسيين والبريطانيين الذين حسبوا أنفسهم أصحاب السيادة على البلاد فجزأوها كما أرادوا دون استفتاء السوريين وزرعوا حواجز اصطناعية فاصلة بين هذه الكيانات خدمة لمصالحهم وأغراضهم الاستعمارية ولمصالح اتباعهم المحلّيين كما زرعوا في فلسطين كياناً استيطانياً عنصرياً عدوانياً أمّنوا له كل الدعم والحماية لاغتصاب الأرض وتهويدها ولطرد أبناء شعبنا الفلسطيني بالقوة من وطنهم وللتوسع الإقليمي المستمر تحقيقاً لحلم خرافي أسطوري يرمي إلى استملاك الأرض الواقعة بين الفرات والنيل وإقامة الدولة اليهودية الخالصة فيها.. ولكن كل هذه الحواجز الاصطناعية الفاصلة لم ولن تمنع وحدة الحياة السورية ووحدة المصير الواحد للشعب السوري. يقول سعاده:

“إن في البلاد السورية وحدة قوميّة فعلية في الحياة الاجتماعيّة والمصالح النفسية والاقتصاديّة وفي المصير الشعبي كله لا يمكن كل عوارض الحدود السياسية تقطيعها وتجزئتها. إن ترابط القرى والمدن والأوردة الزراعية في سورية الطبيعية كلها لا يسمح مطلقاً التفكير بتجزئة الأمة السورية إلى أمم والشعب السوري إلى أمم. إن وحدة الحياة السورية لأقوى من جميع عوارض الحدود السياسية”.[2]

وكلنا نعلم ايضاً أن هذه الكيانات المصطنعة غارقة في مستنقعات النزاعات والانقسامات الاجتماعية – الطائفية والمذهبية والعشائرية – وكل طائفة دينية او عشيرة لها شفيعها أو زعيمها الخاص وتعتبر نفسها مجتمعاً قائماً بذاته ومتمتعاً بحقوق وامتيازات خاصة به. وتتعرّض هويتنا القومية لعملية تشويه وتجهيل وطمس بعد أن استبدلت بهويات كيانية (لبنانية، شامية، عراقية، أردنية، فلسطينية..) وأصبحت أمتنا بلا قضية قومية واحدة، بل بقضايا متعددة لقبائل وعناصر وجماعات طائفية ومذهبية وعرقية متباينة ومتنابذة ومغلقة تسير بعقليات رجعية واتجاهات متناقضة ولا تجتمع حول أية مسألة او قضية. أما وطننا ومصيرنا القومي فأصبحا مشاعاً للإرادات الأجنبية والصهيونية يتصرفون بهما وفق مشيئتهم ومصالحهم الاستعمارية.

والحق نقول، لا انقاذ للأمة من مصير التضعضع والهلاك إلا في وحدتها الاجتماعية ووعيها الاجتماعي وفي موقفها موقفاً واحداً واتجاهاً واحداً أمام الأخطار الكبيرة المحيطة بها وأمام الإرادات الأجنبية التي تعمل لتفجير مجتمعنا من داخله بحروب طائفية – قبلية ولاقتلاع شعبنا من أرضه وسرقة مواردنا وثرواتنا. لذلك يخوض الحزب السوري القومي الاجتماعي معاركه الفكرية والعملية ويدعو لفصل الدين عن الدولة وإزالة الحواجز الاجتماعية – الحقوقية بين طوائف الأمة ومنع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء بغاية توحيد المجتمع توحيداً راسخاً ليصبح مجتمعاً قومياً واحداً بروحية واحدة وعقلية واحدة وشعور واحد تسّيره إرادة قومية واحدة. يقول سعاده: “نشأت النهضة السورية القومية الاجتماعية لتقرّب النفوس وتوحّد الشعور والإرادة، ولتعلن ابتداء عهد جديد يحلّ فيه الاتحاد محلّ الافتراق، وتحظى النفوس بالخير والسعادة والطمأنينة.”[3]

ولتحقيق وحدة المجتمع وتحصينها يحارب الحزب كل أشكال التجزئة والانقسامات ويتصدى لكل الاتجاهات الانفصالية والتيارات العنصرية والانعزالية والفتن الطائفية والمذهبية ويعمل على وأدها منعاً لدخول الإرادات الأجنبية في شؤون أمتنا الداخلية وتعطيلاً لمحاولاتها إثارة العصبيات الدينية وإيجاد التباعد بين أبناء الوطن الواحد بهدف قيام دويلات مذهبية وإثنية خدمة لأغراضها.

الحزب السوري القومي الاجتماعي يصارع في المجتمع لوضع العصبية القومية موضع العصبيات الدينية والعشائرية ويناضل للقضاء على أنظمة الفساد والقهر والاستعباد والحرمان والاقطاع والاحتكارات والرأسمالية الجشعة وكل عوامل التجزئة والتفسخ والانقسامات التي عطّلت حيوية الأمة وأدت إلى خسارتها أجزاء حيوية من وطنها كما سهّلت قيام وتمدّد الكيان الصهيوني الغاصب.

الحركة القومية الاجتماعية نشأت حركة صراع جامعة، دخلت فيها، منذ بدء تكوينها، عناصر من جميع ملل البلاد، ولا وجود لتكتلات ملية في داخلها. يقول سعاده:

إن جميع السوريين القوميين يؤمنون إنهم أبناء أمة واحدة هي الأمة السورية، تجمعهم عقيدة واحدة ومصلحة واحدة وإرادة واحدة. فهم جميعهم يريدون الجميع أحراراً متساوين في الحقوق والواجبات ويرفضون أن يكون بعض الأمة عبداً لبعض أو عالة على بعض أو تحت رحمة وتساهل بعض. إنهم يخجلون من أن يروا أحداً من أبناء أمتهم غير حرّ متمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية التي لهم في الدولة. إن الحزب السوري القومي يقول إنه يجب أن يكون لكل فرد من أفراد الأمة السورية الحق والحرية ليعتقد في الشؤون المتعلقة بما وراء المادة، كالله والسماء والجحيم والخلود والفناء، كما يريد، ولا يطلب منه إلا أن يكون قومياً صحيحاً مخلصاً لأمته ووطنه.[4]

إن وحدة القوميين الاجتماعيين الروحية والعملية وارتباطهم معاً بقضية قومية تساوي وجودهم هي النموذج الأمثل لإمكانية توحيد المجتمع وتحصينه بالعصبية القومية التي تحميه من أخطار الفتن الدينية والعصبيات الفئوية على أشكالها


[1] أنطون سعادة، المحاضرات العشر، ص 99.

[2] أنطون سعادة، الأعمال الكاملة، المجلد الثامن 1948 – 1949، وحاربنا.. لننقذ اللبنانيين!، كل شيء، بيروت، العدد 99، 18/02/1949.

[3] أنطون سعادة، الأعمال الكاملة، المجلد السادس 1942-1943، “مهزلة استقلال لبنان”.

[4] أنطون سعادة، الأعمال الكاملة، المجلد الخامس 1941 – 1942، العروبة كقوة إذاعية للمطامع السياسية الفردية، (الزوبعة)، بوينس آيرس، العدد 41، 1/04/1942