للمرة الرابعة، منذ ملحمة الطوفان البطولية في السابع من أكتوبر 2023، تُشهر أميركا الفيتو ضد مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار في غزة.
تستحق الإضاءة عليها مضامين مشروع القرار، بالإضافة إلى وقف إطلاق النار، والتي من الواضح أن البيت الأبيض تأملها بالعين الصهيونية. فقد دعا إلى الإفراج الفوري عن «الرهائن»، حسب القاموس الصهيو- أميركي، وهم في الحقيقة أسرى، إذ لا يوجد في الكيان اللقيط مدنيون أصلًا. وأكد مشروع القرار ضرورة امتثال الأطراف، وليس جيش النازية الصهيونية فحسب، لأحكام القانون الدولي فيما يتعلق بحماية السكان المدنيين في القطاع، وتمكينهم من الحصول على المساعدات الإنسانية الضرورية لبقائهم على قيد الحياة، ولا سيما في مناطق شمال غزة.
يلفت النظر أن بعضًا من هذه المطالب تتردد على ألسنة أركان الإدارة الأميركية، وبشكل خاص ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية والإفراج عن أسرى العدو لدى المقاومة.
والغريب اللافت للنظر أكثر، تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال مشاركته أخيرًا ومندوبته لدى الأمم المتحدة ليندا غرينفيلد، أن إدارته ستواصل الضغط من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة. ونحن نشك بأن مسار العلاقات الخارجية للدول قد شهد عبر التاريخ مثل هذا الانحياز للباطل، كما هو الحال بالنسبة للدعم الأميركي الأعمى للعدو الصهيوني والتغطية على جرائمه وفظاعاته.
ترى أميركا، كما العالم كله، فظائع إسرائيل ضد العرب في فلسطين المحتلة وفي لبنان، وتَعَمُّدها ممارسة المزيد من القتل والتدمير بالأسلحة الأميركية. ولكن أنَّى لدولة قامت على جثث ملايين الهنود الحمر، وارتكبت من المجازر وجرائم الحرب ما يستعصي على الحصر، أن يستيقظ ضميرها أو تراجع سياساتها، أقله باتجاه التوقف عن استخدام الفيتو في صالح السياسات العدوانية للكيان اللقيط.
أميركا في تعاملها مع الضعفاء مجردة من القيم، فكيف عندما يتعلق الأمر بعالم عربي يبدو مكشوفًا عاريًا، تكفَّل نظامه الرسمي بنزع سلاحه ونزع كرامته والارتماء في أحضانها؟!!!
لا شيء في القاموس السياسي الأميركي اسمه الحقوق التاريخية المشروعة للشعوب، بل تمجيد للقوة، قوة السلاح، وما تفرضه من مستجدات على الأرض. ولا يتوقعن أحدٌ غير ذلك من دولة أقامت كيانها على أرض مسروقة بعد إبادة أهلها الأصليين. وبعد قيامها، لم تتردد في التوسع على حساب جيرانها، والمكسيك خاصة. فقد غزت أميركا المكسيك واحتلت أراضي شاسعة منها، خلال الأعوام 1845-1848، تحولت إلى سِت ولايات أميركية، تُعرف اليوم بأسماء تكساس ونيفادا وكاليفورنيا ويوتا واريزونا ونيومكسيكو.
وعليه، لا غرابة أن ترى العقلية الأميركية حرب الإبادة والتطهير العرقي في غزة بمنظور القوة مصدر المشروعية، القوة غير المقيدة بكوابح المبادئ والقيم والقانون. على هذا الأساس نلتقط الرسالة الأهم في الفيتو الأميركي لإحباط مشروع قرار الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة. الرسالة موجهة إلى الكيان اللقيط، أن استمروا في حرب الإبادة في غزة والعدوان ضد لبنان، وخذوا وقتكم اللازم ما دمتم ترون ذلك ضروريًّا. وكونوا مطمئنين إلى أن تدفق السلاح سيتواصل بازدياد مضطرد، والغطاء السياسي لن يتأثر قيد أنملة، كما عهدتموه وكما اعتاده العالم كله، بما في ذلك العرب.
ولا نرى أننا بحاجة إلى مزيد من البيانات، على أن الفيتو الأميركي ضوء أخضر جديد لمواصلة العدوان الهمجي البربري ضد فلسطين ولبنان. وبالقدر ذاته، يأتي الفيتو خطوة فاقعة الدلالة على أن العدوان أميركي أساسًا، يُنَفَّذ بأيدٍ صهيونية.