لدى اللبنانيين اليوم فرصة جديدة تقدم إليهم على طبق مغمس بدماء المقاومين لبناء الدولة. كل التجارب التي رافقت إعلان دولة لبنان الكبير لبناء الدولة قد تم إجهاضها بواسطة من سعى بالأمس البعيد والمتوسط والقريب لأقامتها. فالخطأ الذي وقع فيه الموارنة بعد ان أعطوا لأنفسهم مجد لبنان انهم لم يقرأوا المتغير السوري حين رفض الدروز والعلويين دويلاتهم وتحصنوا بالدولة المركزية. وتراكمت أخطاءهم حينما تبنوا النموذج العربي للحكم تمديداً وتجديدا، يمكن انهم فعلوا ذلك تطبيقاً للدستور «لبنان ذو وجه عربي »، وخطيئتهم الكبرى استمرارهم بالاتكال على الإرساليات الأجنبية واهمال المدرسة والجامعة الرسميتين اللذين كان من خلالهما إضافة إلى الخدمة العسكرية إعداد النشء لمواطنية صحيحة. فقد لمسنا بعد الطائف كيف نشأت الإرساليات ذات البعد الشرقي المذهبي كالفطر في المدن والأقضية والمحافظات. ففي بلد فسيفسائي كلبنان يتواجد على حدوده الجنوبية عدو شرس متغطرس ينادي بصفاء المجتمع اليهودي، كيف يمكن لنموذج تعددي ان ينفذ دون ثقافة جامعة تبدي العام على الخاص؟؟
بعد ازمة ال 1958 لاحت فرصة جديدة لبناء دولة مؤسسات بما عرف بالشهابية كان لنتائج الأزمة الاثر الأكبر على موقف السوريين القوميين من التجربة حيث قاموا بانقلابهم الفاشل مما مهد الطريق للحلف الثلاثي والإقطاع السياسي الاسلامي بقطع الطريق على اكمال التجربة ناهيك عن أعمال المكتب الثاني ذي التجربة «الجنينية» وجهله بكيفية إدارة المجتمع ليتقبل التجربة الحديثة.
فرصة الطائف يمكن اعتبارها الهدر الأكبر لان الذين دخلوا جنة السلطة كانوا يزعقون في حلهم وترحالهم بضرورة بناء الدولة العادلة واحترام القانون والمؤسسات ونغمات اخرى كتكافؤ الفرص وتوازن الإنماء وجيش قوي الخ، لكن يبدو ان روما من فوق هي غيرها من تحت ففضلوا المحاصصة وتوزع المغانم على بناء الدولة.
يبقى تجربتان، لحود والمقاومة وبعدها اعتلاء عون سدة الرئاسة، الاولى أجهضت من خلال الامن والاستطلاع بعد ان وقع قادته بين براثن البترو دولار، والثانية بعدم الجدية ببناء الاستراتيجية الدفاعية ولا بدرء الأفخاخ التي نصبت من خلال الهندسات المالية وسياسة الإفقار التي اتبعت.
اليوم تلوح في الأفق فرصة جديدة هل يتعظ المقاوم والمناوئ من احداث الماضي وتتسم المرحلة بجدية البناء، ام ستعود حليمة لعادتها بانتظار ازمة جديدة.