لطالما انطلقت الإجابات الكبرى من أسئلة كبرى، ملحة في راهنيتها، بعيدة في مبتغاها، متجذرة في سيرورة التاريخ الإنساني. ما الذي جلب على أمتي هذا الويل؟ من نحن؟ وعليه، لماذا الحزب؟
ولطالما كان إنقاذ الأمة من التخبط في الهويات الفرعية وعصبياتها، ونقلها إلى هوية جامعة تفهم غنى الموروث التاريخي الوجداني، لتستكمل خطها الحضاري المبني على قيم الحق والخير والجمال، هو مفهوم متكرر في الأدبيات السياسية التقدمية. لكن تحديد هذه الهوية بشكلها العلمي، غير الطائفي وغير العرقي، المستند إلى كل ما يجعلها قابلة للحياة، وتحديد كتلة الأمة الحيوية التي لا تستطيع الانكفاء دونها لا جغرافياً ولا اقتصادياً، ومن ثم الانخراط في الصراع باتجاه تحقيقها بكل مناقبية وتضحية، هو مهمة تلقى على كاهل القلائل ممن يدركون حقيقة وجودهم، ولأن قيمة الفداء من قيمة الفادي، وقيمة الحب من قيمة المحب، وقيمة الصراع من قيمة ما نصارع لأجله.
ولأن الحق هو حق الأمة جمعاء في أرضها ومواردها ووسائل إنتاجها وأمنها القومي وأمانها الاجتماعي، هو ما يحكم علاقتها بغيرها من الأمم، وهو الذي يحكم تموضع الفرد – المجتمع بما يحفظ حقوقه وضرورات حياته.
ولأن الخير هو ما يسكن النفس البشرية من إرادة الخير للغير فيعم أثره الإيجابي على المجتمع ككل اقتصادياً وحياتياً بكل ما يحفظ الكرامة الإنسانية.
ولأن الجمال هو ما يزدهر في وجدان المبدع والرائي حين تعلو معاني الحب والحرية والكرامة في نفسه فلا ينكفىء عن الصراع لأجلها بكل ما هنالك من إنتاج فكري وفني وثقافة حياة.
ولأن المجتمع معرفة والمعرفة قوة، ولأن القوة وحدها هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره، كان الحزب السوري القومي الاجتماعي سياقاً تنظيمياً جامعاً لهذه النحن، متجاوزاً عزلة الحياة هباء وعزلة ألموت هباء.
أيها السوريون القوميون الاجتماعيون
اليوم إذ نحيي ذكرى تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الـ 92، وشعبنا في فلسطين ولبنان يتعرض لأفظع أنواع القتل والتهجير والإفقار من قبل العدو اليهودي التوسعي وأدواته، يقف حزبنا حيث وقف دائماً، من انخراطه في حرب الـ 1948 إلى عمله ضد الاستيلاء على ثرواتنا النفطية وصولاً إلى إعدام سعادة عام 1949، إلى إطلاق جبهة ألمقاومة الوطنية اللبنانية، إلى الحرب على الشام، إلى الحرب الراهنة في لبنان وفلسطين، يقف السوريون القوميون الإجتماعيون على خط المواجهة وفي قلب الميدان جنوباً، في هذه المعركة التي سترسم مصير سورية والمنطقة وتحدد مصير المشاريع المستقبلية في العالم من بعد ما سمي بالنظام العالمي الجديد.
في السياسي – الاقتصادي، وأمام لحظة تحول تاريخي من نظام القطب الواحد إلى نظام متعدد الأقطاب، استشعر حزبنا لحظة التغيير هذه التي بدأت بمحاولة المحور العولمي الغربي الخروج من أزمته الاقتصادية التي تمظهرت عام 2007 في الولايات المتحدة، بالسيطرة على النفط والغاز وخطوطهما وخطوط التجارة العالمية عبر منطقتنا، فكان ما سمي بالربيع العربي في الدول التي تقع على هذه الخطوط وهذه الثروات بعد إسقاط العراق بالعدوان المباشر.
وكان دور الحزب في الحرب على الشام الدولة والسيادة والمجتمع، حافلاً بالتضحيات وبوضوح الرؤيا تجاه ما يخطط له، واليوم تشتد شراسة حرب الإمبراطورية الكبرى على أعتاب انكفائها، بينما تتبنى بديلاً إنقاذياً بتحولها نحو خطة اقتصادية حمائية مع الرئيس المنتخب الجديد، ويهاجر رأس المال المعولم على مركز آخر، ما يشي بفرصة لاستعادة السيادة في ظل اختلال التوازنات القديمة، قبل انتقال آليات الهيمنة من قطب إلى قطب. إن فرصة أمتنا باستعادة موقعها باستغلال لحظة التغيير هذه قد لا تتكرر في المدى المنظور، نحن مدعوون هنا إلى العمل لاستعادة وسائل إنتاجنا وحماية مواردنا، ووضع شروطنا السيادية شرقاً وغرباً، وعدم التنازل عن مقومات قوة المقاومة، وعدم الاستسلام للإخضاع عبر البوابة الاقتصادية لإعادة الإعمار، والقول الفصل في هذا كله للميدان الصامد.
في الاجتماعي – الثقافي، نقف اليوم كما وقفنا دوماً، ضد مشاريع التفسيخ بكل أشكالها من جهة، طائفية كانت أو مذهبية أو إثنية، وخلخلة المتحدات بالنزوح وخسارة الأراضي والمدخرات، وخلخلة البنى العائلية الأساسية، والتمويل الأجنبي المنصب على أشغال المجتمع المدني بقضايا غير قضاياه المصيرية، من جهة أخرى، إذ نقف ضد مصادرة الحريات الفردية وعدم المساواة الاجتماعية، إنما نقارب كل هذه القضايا في إطار مشروع التحرر الوطني والقومي، فقوة النسيج من تماسكه واستقرار التماسك من صون الحريات والحقوق.
ونحن إذ نعمل على كل هذه المحاور نلتفت أيضاً للإنتاج المعرفي الذي يزيل غبار السرديات المهودة والعنصرية عن تاريخنا وواقعنا، لتجلو حقيقة خطنا التاريخي القيمي المنتج والعابر لكل العصور.
أما في المباشر، في لحظة التهديد الوجودي الكبيرة هذه، فنحن ندعو جميع الرفقاء في الوطن وعبر الحدود الى دعم صمود أهلنا في لبنان وفلسطين بكل ما أتيح لهم، عبر المنفذيات والأفراد والمجموعات العاملة على الأرض، كما ندعوكم إلى العمل مع كل المتحدات ومناطق عبر الحدود على هدم جدران العزلة الطائفية والإثنية، لحشد التأييد من مواطنينا أولاً، ولإيصال صوتنا موحداً واعياً بحقيقة الصراع، داعماً للشعب والميدان.
أيها الرفقاء في الوطن وعبر الحدود،
نختتم بالتحية لمقاومتنا الباسلة الشريفة، القابضة على الحق والزناد، وبالانحناء إجلالاً لكل شهداء المقاومة على مدى تاريخ صراعنا مع عدونا الوجودي وعلى اتساع ميادين الصراع، بيننا وبينه الحديد والنار ومعاني الفداء السوري المتجددة فينا منذ فجر التاريخ.
دوموا للحق والجهاد
لتحي سورية وليحي سعادة