تمر على أمتنا اليوم أحلك الظروف وأصعبها، فيما نحيي ذكرى مرور 92 عاماً على تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي وذكرى قرن على تساؤلات سعاده التي طرحها أن في يفاعته أو خلال حقبة التأسيس، وقد كان غير بعيد عن أجواء حركة النهوض الفكري التي داهمت امتنا في أواخر القرن التاسع عشر من مؤسسيها أمثال بطرس البستاني وإبراهيم اليازجي والريحاني وجبران وايضاً د. خليل سعادة.
وكان هاجسه استكمال ذلك وانشاء حالة نهوض تزيل العوائق امام احياء الأمة من جديد وإعادة الحياة إلى شرايينها لتنبض من جديد، وتواجه حالة الموت السريري التي اغرقها فيها العثماني قروناً، وصولاً إلى انتداب يظهر بشكل حضاري ناعم الملمس «فرنكوفونياً » و«انكلوساكسونياً » فيثبت هيمنته من خلال مدارسه وارسالياته وفي مزاعم تنظيمه إدارة البلاد ومؤسسات الدولة.
واستمرت سياسة تعزيز الطوائف والمذاهب، ان في الدستور الأجنبي المستعار لبلادنا او في التدخلات الأجنبية استكمالا لسياسة القناصل ومن ثم المبعوثين.
وعى سعاده يومذاك تلك المخاطر، مع إدراكه اهداف المشروع الصهيوني الذي كان يثبت حضوره في منطقتنا. يومها وصف سعاده حالة الأمة بأنها واقفة بين الحياة والموت.
فكان سؤاليه المحوريين من نحن؟ ومن الذي جلب على شعبي هذا الويل؟
والمؤسف ان هذين السؤالين، لم تتوحد الرؤية حولهما في امتنا، إلى الآن رغم اقتناع النخب الفكرية بما طرحه مؤسس حزبنا، وان متأخرين ،المعايير العلمية حول تشكل الأمة التي وصفها وحددها ب «جماعة من البشر تحيا حياة موحدة المصالح، موحدة المصير، موحدة العوامل – النفسية المادية قي قطر معين يكسبها تفاعله معه خصائص ومزايا تميزها عن غيرها من الجماعات» هذا الأساس العلمي الذي استند إليه سعاده وكانت محور رسالته إلى المحامي حميد فرنجية، في ما دفعه إلى تأسيس الحزب معتبراً يومها انه ليس الانتداب وحده الدافع بل ان هدفه ، هو انشاء نهضة للأمة وتعزيز منعتها من خلال «فصل الدين عن الدولة»، وانشاء جيش قوي يعزز قدرة الأمة على مواجهة ما يعدّ لها .
بعدما شغل باله أيضا هاجس تأسيس الخطة النظامية المعاكسة للصهيونية ومشاريعها المرتبطة بدعم الدول العظمى، وقد شكل هذا الامر أحد أبرز التحديات لدى سعاده منذ ما قبل التأسيس كما تخبر مقالاته وصولاً إلى مسيرة تميزت بوعي اهداف هذا المشروع ثم دافعاً حياته ثمناً له.
أن تأسيس سعاده لحزبه يمكن اعتباره قد جرى على مرحلتين (إذا شئنا الدقة،) مرحلة الثلاثينات من القرن العشرين وما رافقها من سرية ثم انكشاف للحزب وسجن ومطاردات دفعته إلى مغادرة الوطن ثم مرحلة الاربعينيات، وعودته إلى الوطن من مغتربه القسري وهنا كانت مواجهته الاقسى، مع السلطة السياسية في الكيان التي اعتبرت نفسها صانعة للاستقلال، بينما وصفه هو، مجرد خروج من الزنزانة إلى السجن الكبير كما أعلن في خطاب عودته.
ومذاك بدأت مواجهته مع عدوين، الأنظمة الداخلية المرتهنة للخارج والمشروع الصهيوني الذي وضع شرعية مزعومة لدولته وقد ساعده في منحه إياها كدولة عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، دعم اربابها من الامبريالية العالمية.
فكانت الدولة الطامعة والمعتدية دوماً على امتنا وكياناتها دون ان ترضخ لميثاق هذه الجمعية وقوانينها بدءاً من تحديد حدودها إلى التزام المواثيق الأممية، واضعة نصب اعينها استكمال تنفيذ مشروعها القديم وهو «الشرق الأوسط الجديد» ويمكن لحظ مطامعها هذه في محاولات توسعها الدائمة منذ العام 1948 إلى حروبها القاضمة عام 1956 وال 67 وتوسعها من القدس إلى غزة والى الضفة الشرقية ثم جنوب لبنان والجولان وكذلك سيناء، وكل ذلك بالحروب والمجازر.
تعتبر أهم إنجازات عقيدة أنطون سعاده في استشرافه مخاطر الدولة العنصرية الصهيونية ومطامع داعميها، وكان صراع حزبه المتميز دوما في مواجهة هذا العدو بالفكر والقتال وساعيا دوما إلى توحيد قوى الامة في هذه المواجهة المصيرية ويبرز هنا سؤاله «كيف نقف أمام هذه الإرادات مبعثرين متنافرين متقاتلين»؟ وكان جوابه «لا يمكننا أن نواجه القضايا الخارجية بنجاح لمقاصدنا في الحياة الا بعد ان نتغلب على الصعوبات الداخلية، ونجعل من الأمة وحدة حياة ووحدة مقاصد ووحدة إرادة ووحدة مصيرية»
إذا شرط تحصين هذا المجتمع هو الأساس من أجل انجاز المنعة الداخلية التي «تتناتش» قواها مخالب الاستعمار الصهيواميركي من خلال الإمساك بعنق هذه البلاد فتقسمها طوائفا وعشائر وتهيمن على مواردها وتطورها وتهجّر شبابها الواعد وقرارها، وهذا ما يجعل المقاومة امام عقبتين أساسيتين، مواجهة الخارج وجيوشه واساطيله، كما تواجه انعدام المنعة الداخلية في صفوف بعض الداخل العازم على الاستسلام في معركة المصير والحياة هذه.
ان امتنا تقف مجدداً بين الحياة والموت وما اشبه أمس التأسيس باليوم، والمشروعين يتصارعان الشرق الأوسط الجديد، او معركتنا الوجودية، التي تؤكد تحالف قوى الحق للارتقاء بالنصر والى بناء مجتمع جديد وأمة قوية ومجتمع يحتضن كل أبنائه في أمة حية يليق بها تاريخها كما يليق بها مستقبلها منتصرة، ولا خلاص الا بالوعي وممارسة البطولة سبيلاً وحيداً.