لا شك في أن الحادث الذي طاول القوات الدولية في منطقة العاقبية سيعيد النقاش حول دور هذه القوات ومهماتها في جنوب لبنان، انطلاقاً من الوظيفة المحددة لها عبر القرارات الدولية ذات الصلة، وأهمها القرار 1601 الصادر في 12 اب 2006 . وهو قرار لا يتناسب واقعياً مع حجم الانتصار الذي حققته المقاومة في الحرب التي دامت 33 يوماً دمر فيه الكيان الزائل، وبدعم مطلق من الولايات المتحدة كل البنية التحتية ليس في الجنوب فحسب، بل على طول الكيان اللبناني وعرضه. فهو في الأخير اتفاق ضرورة لوقف الحرب، ولكنه بالمضمون نسخة محسنة عن اتفاق 17 ايار لو قيض لصانعيه فرض كافة البنود، وبالتالي الأهداف في مشاريعهم الجيوسياسية المرسومة للمنطقة، وبالطبع من ضمنها لبنان.
ليس عصياً على أي مطلع، واستناداً للمحاولات التي جرت أثناء المفاوضات وبعدها، وحجم الضغوط التي مارستها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الاميركية آنذاك، أن يكتشف النقاط التي تسعى الوزيرة الأميركية لتحقيقها حينها، وبخاصة ما أعلنته صراحة عن مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد المتماهي مع مشروع اسحق رابين المعروف، والذي يشكل بالنسبة إليه وإلى الولايات المتحدة والمتواطئين من العرب، قاعدة التطبيع والصلح.
وقد يكون معلوماً عند الجميع أن لبنان لم يحظ باهتمام خاص عبر الإدارت المتعاقبة في الولايات المتحدة، إنما كان ومازال جزءاً من المشروع المرسوم للمنطقة برمتها، ولو اعتبر في فترات متعددة مركز اختبار، وموقعاً يشكل رأس جسر للدخول عبره إلى الأهداف المراد تنفيذها بالعمق الجغرافي.
من هنا تطفو على السطح كلما اقترب موعد تجديد ولاية القوات الدولية، النقاط التي لم تستطع الولايات المتحدة إدراجها صراحة في القرار 1701، فتلجأ إلى أساليب مواربة لتحقيق أغراضها عبر تقديم مشاريع تعديل على القرار المذكور.
وإمعانا في التضليل تقدم هذه المشاريع عبر الطرف الفرنسي لتسهيل قبولها من الحكومة اللبنانية، نظراً للعلاقات اللبنانية الفرنسية التي تعتبرها مميزة. وهو ما حصل فعلياً لدور فرنسي خاص في مفاوضات العام 2006 بواسطة رئيس الوزراء اللبناني آنذاك فؤاد السنيورة؛ وهو ما حصل اخيراً في قرار التمديد الأخير المتضمن تعديلاً في المهام. هذا التعديل الذي أدى الى ما أدى إليه في العاقبية مع الأهالي بوصفها بيئة تعرف تماماً الأهداف من وراء التعديل، ربما أكثر من الدولة اللبنانية والسلطة اللبنانية التي ادّعت عدم معرفتها بمشروع القرار الصادر عن مجلس الأمن .و لعل هذا الادعاء الساذج يدفعنا إلى التساؤل حول وظيفة البعثة الديبلوماسية الدائمة في الأمم المتحدة، وحول وظيفة وزارة الخارجية غير دعوة روسيا إلى وقف الحرب فوراً في أوكرانيا، وحول وظيفة رئيس الحكومة الذي يدعي بالعلاقات المميزة مع فرنسا، وفرنسا نفسها التي قدمت مشروع القرار.
عودة إلى النقاط التي بدأنا بها، وأولاها تمديد عمل القوات الدولية إلى الحدود الشامية / اللبنانية تحت غطاء منع تهريب المخدرات مستندة إلى تقارير دول عربية معروفة الولاء ، ومنع تدفق السلاح لحزب الله. وهذا الأمر مشبوه واقعياً وعملياً. فالتهريب يتم عبر وسائل وأدوات غير تقليدية، ولنا في حادثة الأمير السعودي وطائرته الخاصة مثالٌ على ذلك. أما تدفق السلاح فعند حزب الله مخزون يكفي لإرعاب الكيان الزائل، وهو ما اعترف به قادته العسكريون والأمنيون وحتى السياسيون. ومع ذلك أنشأت الدولة في لبنان قطعاً عسكرية متخصصة بالحدود، أشرف على تدريبها وتسليحها الانكليز والأميركيون أنفسهم.
أما النقطة الثانية فهي إطلاق الحرية دون الجيش اللبناني للقوات الدولية بالتصرف على كافة الأراضي اللبنانية، تمهيداً لوضعه تحت الاحتلال المباشرة مغلفاً بصورة لسلطة لبنانية هزيلة تابعة، ليصبح لبنان خاصرة رخوة للشام عملياً لا نظرياً.
فحادثة العاقبية ستكون أنموذجاً أهلياً لما يرفضه الشعب لحظة تضع السلطة رأسها في الرمال.
رئيس المؤتمر القومي وليد زيتوني