لا تكفي مشاهد تهديم قلعة بعلبك وجوارها بغارات العدو الصهيوني، ولا تكفي صور وأخبار مدينة صور وأحياءها الاثرية المنتهكة وكذلك المجازر تحت أبنيتها ولا اللقطة العلنية لتمزيق مندوب دولة العدو، ميثاق الأمم المتحدة ورميه في النفايات من على منبرها، ولا تهديدات نتنياهو لأمين عام الأمم المتحدة غوتيريس، لوقف إداناته لممارسات هذا الكيان، أو ابتزاز هذا العدو لرئيس المحكمة الجنائية الدولية لوقف تنفيذ قرارات اعتقاله، ولا تكفي قراءة ولو عاجلة لسياق طويل من مخالفات هذه الدولة للقرارات الدولية، ولا لتاريخ طويل من المجازر والقتل، توجهته بالـ 400 يوم الأخيرة في غزة بمحرقة وصل عدد شهداؤها إلى نحو خمسة وخمسين ألفاً جرحاها فقد فاق المئة ألف.
. . .وأيضاً بعدوانه على لبنان وبات عدد الشهداء الآلاف، نتيجة إعلان هذا العدو الحرب منذ قام بعمليات تفجير« البايجر» ومباشرته باغتيال قادة المقاومة وأمينها العام ثم محاولات تقدمه براً.
وإضافة لذلك استمراره في الانتهاك الوقح لكل مواثيق الحرب بطيرانه ومسيراته سماء هذا الكيان، فيقتل ويبيد الآمنين في بيوتهم والسالكين الطرقات في سياراتهم، ولكنه بالمقابل لم يستطع التقدم برياً واحتلال شبر من أرض قرى الجنوب الأمامية، بل يختصر كل ما قام به الهجوم والتفخيخ والتقاط الصور ومن ثم الفرار.
كل هذا لا يكفي، حتى أيديولوجية هذا العدو، بنصوص كتابه وسردياته التي تقول حسبما ورد في سفر التثنية 20 والآيات 10 الى 18 «حين تقترب من مدينة لكي تحاربها، استدعها إلى الصلح فإن أجابتك وفتحت لك شعوبها الموجودة فيها، يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وان لم تسلك، بل عملت معك حرباً فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، أما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك ونأكل غنيمة أعدائك التي أعطاها الرب إلهك».
الشواهد هذه كلها، لم تقنع بعض اللبنانيين بمخاطر هذا العدو المتفلت من كل الضوابط والذي لا يمكن الركون إلى وعوده وأكاذيبه واحتلاله لفلسطين الذي مرّ عليه وتداعياته ما يقارب الثمانين عاماً، دون أن «يهضم» وجوده ومطامعه المعلنة «حدودك يا إسرائيل من النيل الى الفرات»
لقد أفصح نتنياهو عن أهدافه وخرائطه للـ «الشرق الأوسط الجديد» وهو يدأب على تردادها كلما سنحت له فرصة، وزاعماً بالمقابل أنه في «حرب دفاع عن النفس»، ويأتي إصراره على الحرب، بعد حالة الركود التي أصابت خطته هو وربيبته الولايات المتحدة الأميركية، بتكبيل المنطقة بالاتفاقات الابراهيمية التطبيعية بامتياز فكان لا بد من انقاذ هذا المسار للحصول بخيار الحرب على ما لم يستطع الحصول عليه بالإذعان.
«الشرق الأوسط الجديد» مشروع دولة العدو، وقد دعا اليه شيمون بيريز ويفصح عنه اليوم نتنياهو، وهو مشروع يصيب لبنان كما أصاب فلسطين سابقاً، ورغم ذلك يرفض أبناء من الوطن (اصطلح على تسميتهم بالشريك) الاقتناع بالمخاطر، لا بل هم يرضون بأن يكونوا شوكة في ظهر المقاومة.
هؤلاء أدعياء سيادة «مزعومة» وجماعة «السفارة»، وهم بصريح العبارة، ليس في تاريخهم ما يؤمل الخير منه للبلاد، بل انهم يستمرون رغم وضوح الأدلة والبراهين بتجاهلها لغاية مشاريعهم التقسيمية وأهدافهم الطائفية والذاتية.
استمرار الأكاذيب من هذا الفريق حيال المقاومة، يذكرنا بـ«كولن بأول» وزير خارجية أميركا، الذي أتاحت أكاذيبه وإدارة بلاده بوجود السلاح النووي في العراق، إباحة غزوه واحتلاله.
ولم يؤنبه ضميره إلا قبل وفاته بالكورونا، بعدما أسقطت مزاعمه أكثر من مليون شهيد عراقي وتدمير العراق وتقسيمه، وسرقة موارده، وثرواته، وكنوزه.
بالمقابل، استعادت المقاومة قوتها رغم خسائرها وجراحها باعتراف العدو نفسه، يقول وزير حرب العدو المُقال غالانت «إن انسحاب ثلثي جيشه من جنوب لبنان، هو يسبب القوة غير العادية للمقاومة»، وأضاف، «على نتنياهو ان يقبل بالأمر الواقع» والواضح ان الفرق الخمسة التي حاولت التقدم براً منذ شهر وإلى الآن، باءت كل محاولاتها بالفشل، لذا اكتفت بالتدمير وتفخيخ العمران بتقنية حلف الناتو نفسه، ودون أن تتمكن من البقاء.
نعم المقاومة تنتصر بعد نجاحها بأبطال اهداف العدو، من القضاء عليها إن باغتيال قادتها وتدمير بنيتها التحتية كما أعلنت. وها هو العدو يقف صاغرا (رغم همجيته) أمام أبواب الخيام، وها مسيرات المقاومة تصل الى غرف نوم نتنياهو الطاغية المتعجرف، وتصيب ما تصيبه رغم تكتم العدو على خسائره بفعل رقابته الامنية، وها صواريخها ترعب العدو وتجعلها تترقب أرقام صواريخها الدقيقة وصولاً إلى عماد 5 المتأهب للانطلاق، ثأراً للأمين العام والشهداء.
اليوم يجري التداول الديبلوماسي بوقف للنار تحت عنوان القرار 1701، وبتوجه يقصد منه العدو حفظ ماء الوجه، عن «انتهاء المناورات البرية». ما هو إلا إقرار بسقوط المشروع وإقرار بالهزيمة والخسائر ليكون هذا الإجراء جواب واضح عن مزاعم بعض اللبنانيين، «بانتهاء حزب الله».
قال سعادة منذ الأربعينات، «إن لنا في الحرب سياسة واحدة هي سياسة القتال، أما السياسة في السلم فهي أن يسلم أعداء الامة للأمة بحقها» ونحن اليوم لا شيء يثنينا عن حقنا في الصراع لأجل استرداد الحقوق.