خرافة السلام ومخاطر التطبيع

“شعار السلام مقابل السلام” هو الخطوة والطريق السريع لمزيد من التطبيع المجاني مع “اسرائيل”.
لقد لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دور الراعي للتطبيع الذي اصبح سمة الأنظمة الهشة. فالتطبيع نوعان :صريح و خفي، فالمطبعون الصريحون ينادون بضرورة انشاء علاقات بين الحكومات العربية و”إسرائيل” من اجل اهداف استراتيجية ويتم على مستوى حكومات “سياسات” او على مستوى الافراد والجماعات “افعال” للتعامل مع اسرائيل او الاسرائيلين على انهم جزء طبيعي في العالم العربي.
ويسعى المطبع الى انشاء علاقات مع “اسرائيل” تتجاوز الجرائم الاسرائيلية بحق الفلسطينين من غير تحميلهم مسؤولية تلك الجرائم و يتناسى صورة “اسرائيل” ككيان سرطاني معتد زرع في منطقتنا، شن اعتداءات على ثماني دول في فترة زمنية قصيرة هي مصر ، العراق ، سوريا ، لبنان ، الاردن ، ليبيا ، والسودان وتونس .
كما أنه يهمل تأثير إسرائيل المباشر في عسكرة الدول المحيطة واثر تطورها العسكري مما يجعل الدول المجاورة تعاني في المحافظة على استقرارها الداخلي .
بعد 28 عاما وما يزيد ، على الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه الاردن بتوقيعه معاهدة “سلام مع إسرائيل” تبين ان الاهداف التي تنازلت الاردن عنها ،بحقوقها بالصراع والسيادة المستقلة والمسألة الفلسطينية اصبحوا بعيدي المنال ، ولم يجن الاردن سوى تراجع اسرائيلي متتال عن بنود المعاهدة و الاتفاقيات .
وما وعدت به السلطات الشعب من تحسن الحياة المعيشية بتوقيع الاتفاقية مع الكيان الصهيوني لم يلمس المواطنون منه شيء بل وجد حالة من الارتهان والتبعية لدولة الاحتلال من خلال الملفات الاستراتيجية الكبرى ، ملفات الغاز والطاقة والمياه .
وتزايد الاراضي الاردنية المحتلة قانونيا او مباشرة او بمنح المحتل حقوق التملك والاستثمار وتآكل الحقوق المائية ، وأزمات اقتصادية لا متناهية وتراجع كبير في مستوى دخل الفرد وارتفاع المديونية الاردنية من 7 مليار دولار الى اكثر من 50 مليار دولار حالياً.
بالاضافة الى المساس الفج بأمن الاردن الاستراتيجي ومشروع الوطن البديل ومحاولة تشكيل عقل جديد كسول يقبل بالحلول السهلة والحياة الاستهلاكية والتمويل الاجنبي والمساعدات تحت شعارات مختلفة مثل حماية الطفل والمرأة و غيرها.
وفتح المجال للتعامل مع العدو الصهيوني ودخوله في مسار الحياة ، ففي مجال الزراعة ادى لضرب الزراعة بالاردن عن طريق تصدير المنتجات باسعار ارخص من المنتجات الاردنية رغم ان اليهود لا علاقة لهم بالزراعة ولكن الكيان يمتلك تكنولوجيا زراعية بالاضافة لارض فلسطين الخصبة ، وفي القطاع الصناعي تم فرض استيراد المواد الخام بنسب كبيرة في المناطق الصناعية المؤهلة وباسعار عالية مما ادى الى اغلاق المصانع الاردنية و الاستيعاض عن التصنيع بالمنتجات الجاهزة التي تعادل سعر المواد الخام ، في مجال قطاع السياحة يحاول العديد من السياح الاسرائيلين وضع اشياء بمناطق اثرية لتثبيت يهودية الارض ، ما عدا ما يتم من ترويج للمخدرات ونشرها خاصة بين فئة الشباب ، والافكار الضارة بالمجتمع والاسرة الخارجة عن اطار عاداتنا و ثقافتنا ، من الانفصال وتفكك الروابط العائلية والحرية غير المنضبطة الى المثلية الجنسية والعيش العشوائي الخالي من النظام والمثل العليا والاحترام .
والاخطر ربط طاقة ومياه الاردن بالكيان الصهيوني من خلال الاتفاقيات التي توقيعها مؤخرا.
إن الكيان الصهيوني لا يخفي حقيقة موقفه واطماعه في الاراضي الاردنية اعتبارها ارض اسرائيلية لا يتنازل عنها وغايته في توطين اللاجئين فيها وانهاء حق العودة .
وما زال الطلبة في المدارس الصهيونية ينشدون يوميا لنهر الاردن ضفتان الأولى لنا والاخرى أيضا.
وبالمقابل تم تعديل كل المناهج المدرسية الاردنية لتتماشى مع السلام الزائف.

ويبقى التطبيع الحكومي تحصيل حاصل فما يسعى له المحتل هوتطبيع الشعوب .
فمازال الشعب الاردني على موقفه الثابت الرافض لكل اشكال التطبيع مواصلا مطالبه بإلغائها فلا شرعية لاي اتفاقية بعدم وجود ارادة الشعب فهي غير جائزة لا قانونا ولا شرعا .
فهل ستبقى مراجعة الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال بما فيها معاهدة وادي عربة حبيسة أدراج مجلس النواب الاردني ؟
وما هي امكانية تحول الرفض الشعبي للتطبيع من مواقف إلى افعال بعدما عملت السلطات على تجفيف البلاد من قواها السياسية وأضعفت جميع الادوات والمؤسسات التي ينطلق منها عموم المناهضين للتطبيع عبر مسار طويل انتهى بتفتيت التنظيمات السياسية والاحزاب والنقابات وتبلور حالة الاحتقان بمؤسسات اهلية متعددة تحت شعار مقاومة التطبيع قادتها نخب سياسية اصطدمت بقمع في مرات كثيرة ونُفذت حملات اعتقالات واسعة ضدها.
وبالرغم من كل ذلك ترتفع الاصوات الشعبية الاردنية المطالبة بإلغاء الاتفافية ووقف كافة اشكال التطبيع .
وقد عقدت اللجنة التنفيذية العليا لحماية الوطن ومجابهة التطبيع يوم السبت 10/12/2022برعاية رئيس مجلس النقباء ونقيب الاطباء الاردنيين المؤتمر الوطني والعربي السادس تحت عنوان مجابهة التطبيع مع الكيان الصهيوني مهمة وطنية وقومية .
ولا بد من تكامل وتنسيق الجهود على صعيد أوسع وأشمل لمقاومة التطبيع الذي اضحى بأشكال عديدة وما ينشأ عنه من اتفاقيات ومعاهدات مهينة للدول التي ترتبط بعلاقات “سلام مع اسرائيل” والتي تؤثر على الدول المحيطة بالكيان الصهيوني من خلال قدرتها على انشاء شركات اسرائيلية ومؤسسات مجتمع مدني بما يسمى (إن جي أوز) بواجهة وطنية وخلفية صهيونية تخترق بها مجتمعات تلك الدول المحيطة فيتسرب التطبيع من خلال هذه الشركات التي تتخذ اسماء وغايات وهمية .

ومن هنا تأتي اهمية وضرورة مؤتمر يجمع لجان مناهضة التطبيع تنبثق عنه لجان للتنسيق وتبادل المعلومات حول المطبعين وطرق ومواجهتهم .

رئيس المجلس الاعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي عامر التل