لقد سادت المناهج الاردنية والمصرية في الضفة الغربية وقطاع غزة مع بعض التعديلات حتى عام 2000 ومنذ ذلك العام تم وضع مناهج فلسطينية معتمدة في إطارها العام على مرجعية وثيقة إعلان الاستقلال التي حصلت في الجزائر عام 1998 والقانون الاساسي المعدل للعام 2003 وهو المرجعية التشريعية والقانونية وقد وضعت المناهج بشكل عشوائي ومستعجل حيث لم تراعِ التدرج المعرفي في الانتقال من صف الى آخرعلى بالرغم من اهتمامها بالعلوم وتكنولوجيا المعلومات. ولكن في مجال العلوم الانسانية التي هي التربية الاسلامية والتاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية والمدنية واللغة العربية. فقد راعت الحد الادنى من القيم الوطنية والانسانية والثوابت الفلسطينية فتعرضت لتضحيات شعبنا التاريخية في سبيل تحقيق (سلام عادل ودائم وضمان مستقبل افضل) ولم تتطرق لحدود الدوله الفلسطينيه على أن الاعتبار ان الكيان الصهيوني لم يحدد حدودا لكيانه وابقت الامر مفتوحا لما تتمخض عنه المفاوضات او اي اتفاقيات لاحقة. كما اعتبرت القدس عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة. وركزت المناهج على قيم التسامح ونبذ العنف وحقوق الانسان والطفل والمراه وذوي الاحتياجات الخاصه والديمقراطية والتعددية وكذلك على البيئة والصحة العامة. كما اشارت للوجود الصهيوني للضفة والقطاع بوصفه احتلالا وفقا لقرارات الامم المتحدة.
وبالرغم من أن هذه المناهج عبّرت عن الحد الادنى لطموحات وآمال الشعب الفلسطيني الا انها تعرضت لانتقادات شديدة وكذلك الى مؤيدين ولكن اكثر الانتقادات كانت من( مركز متابعة اثار السلام )وهو مؤسسة اسرائيلية مناهضة للسلام في الجناح اليميني الاسرائيلي وقد عمل هذا المركز كهيئة مراقبة للمناهج الفلسطينية وقامت بتحريض الكونجرس الاميريكي وبرلمان الاتحاد الاوروبي التي قررت إيجاد لجنة مشتركة فلسطينية اسرائيلية لإعادة النظر في المناهج.
لم يُعتبر وضع المنهاج الفلسطيني شأناً خاصا بل عاماً قابلاً للتدخل الخارجي من قبل الاحتلال الصهيوني والدول المانحة ودافعي الضرائب في تلك الدول والسياسيين وصانعي القرار.
في مرحلة تأسيس المناهج الذي استغرق ثلاث سنوات للتخلص من المناهج الاردنية والمصرية لم يعترّض برلمان الاتحاد الاوروبي وكذلك لجنة التربية في الكونجرس عليها. بل كان الاعتراض من قبل (مركز متابعة آثار السلام الصهيوني) الذي قام بالتحريض على المناهج الفلسطينية مجدداً مما دفع الكونجرس والاتحاد الاوروبي لتشكيل لجنة مشتركة فلسطينية اسرائيلية لإعادة النظر في بعض المواد. بالرغم من القفز عن مرحلة الثورة المعاصرة التي انطلقت منذ عام 1965. والإشاره فقط الى تضحيات الشعب الفلسطيني بالانتفاضة الاولى والثانية ونبذ العنف والكفاح المسلح واي مواد تتعلق بالكراهية تجاه اليهود سواء في مادة التربيه الدينيه او التاريخ او التربية الوطنية والمدنية او الجغرافيا . حيث اعتبرت فلسطين هي الضفة الغربية وقطاع غزة فقط.
لم تتوقف الحملة على المناهج الفلسطينية بالرغم من تهافتها وقد شارك بذلك الكونجرس الامريكي وبرلمان الاتحاد الاوروبي الذي شكل مؤسسه( مراقبه السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي ) لمراجعه المناهج الفلسطينيه وخلصت في تقريرها المكون من 70 صفحه ان هناك تحريض في الكتب الدراسيه الفلسطينيه خاصه في منهاج عام 2018 و2019. وهو يلغي عمدا اي ذكر لتعليم السلام واي اشاره لوجود يهودي في فلسطين قبل عام 1948 . واضاف التقرير بان هناك ادخال بشكل منهجي للعنف مثل الحديث عن الشهاده والجهاد في جميع الصفوف وكذلك تبني طيف واسع لافكار القوميه المتطرفه مثل اعتبار فلسطين جزء من الوطن العربي وأفكار اسلامية متطرفة تصل حتى الى امثلة في العلوم والرياضيات. مثل صورة فتاة تبتسم بينما يتم حرق (الكفار) وكذلك قصيده شعر تنادي الى القضاء على باقي الاجانب بعد التخلص من الغاصبين وكذلك وصف اليهود بالفاسدين والكذابين والمتحرشين جنسيا (واعداء الاسلام ) الذين قتلوا النبي محمد. وكذلك تنادي المناهج الى زوال دوله اسرائيل وقيام دوله فلسطينيه بالعنف وينفي وجود اي علاقه لليهود بالارض او اي مواقع مقدسه في القدس. ومناطق اخرى.
وبناءا على ذلك فقد هدد الاتحاد الاوروبي بعدم دفع 350 مليون يورو المخصصه للتعليم في فلسطين الا اذا تم تعديل وتغيير المناهج كما قام الكونجرس الامريكي بالتحريض على عدم الدفع لليونسكو والاونروا الا اذا عملت وكاله غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بالضغط لتعديل وتغيير المناهج التي تدرس في المدارس التابعه لوكاله الغوث علما ان الوكاله ملتزمه لتدريس المنهاج الوطني في مدارسها حسب تواجد مدارسها في الدول العربيه.
وازادت الحملة على المناهج الفلسطينيه شراسه مع حقبه ترامب . واعتبار القدس عاصمة الكيان الصهيوني. فحاولت سلطات الاحتلال فرض مناهجها خاصة في القدس فقام الاحتلال بمنع المدارس غير التابعه لبلديه القدس من البناء والتوسع ومنع اصدار تراخيص البناء لمدارس الاوقاف كما يقوم بهدم المدارس. ويفرض عليها ضرائب وغرامات ماليه باهظه ويقوم بانتهاك المدارس واعتقال المعلمين ومدراه التربية
وحاول فرض مناهج محرفة على الكليه الابراهيمية ومجموعة مدارس الايمان ومدارس اهلية وخاصة. لتفصل الطالب المقدسي عن قضيته وتاريخه ومجتمعه. حيث ان الاحتلال يستهدف الحجر والرموز التاريخيه والدينيه وكل ما هو عربي وفلسطيني في القدس. ويريد نزع الوعي الفلسطيني لدى الطالب. وتزييفه وفصله عن الحاضنه العربيه والاسلامية والمسيحية. وفرض رموز سيادية مشوهة بدلا منها. كحذف الدروس التي تتناول معركة الكرامة والايات القرانية التي تحض على الجهاد واستبدال المصطلحات بما يتوافق مع رؤيه العدو مثل جبل الهيكل بدلا من الاقصى. كما يريد من الطلاب الاحتفال بعيد الاستقلال الصهيوني الذي يقوم على انقاص النكبة.
لقد تصدى شعبنا في القدس لهذه المحاولات ومنع اسرلة المناهج فقامت لجان اولياء الامور بالاضراب. وما زالت المعركة مفتوحة والضغوط والمغريات مستمره .وهذا يتطلب منا جميعا مساندة اهلنا في القدس وفلسطين وعمل جبهه عربية وعالمية واسعة لمناهضة الصهيونية كحركة عنصريه .والصراع معها على المستوى الفكري والثقافي ايضا. فاذا كانت مقوله( الكبار يموتون والصغار ينسون) لم تجدي نفعاً فان المعركة الان على الوعي والعقول وقد قالها شمعون بيرس:( ان صراعنا الان ليس على الثكنات وانما على الجامعات) اي الغزو الفكري والثقافي وتزييف الوعي والتجهيل…. فلنكن على مستوى التحدي في صراع الوجود مع هذا العدو الغاشم ومؤيده ورعاته.
ودمتم عاشت فلسطين حرة ابية
د.عزمي منصور