في ذكرى تأسيسها الجامعة الأمريكية بين التبشير الرجعي والعروة الوثقى

في كتاب لبيتي أندرسون تحت عنوان (الجامعة الأمريكية في بيروت)، يستعرض الكاتب تاريخ الجامعة وظروف تأسيسها ولونها الفكري ووظيفتها، مما يدحض (رسالة التنوير) التي ادعتها، كما سنرى، من خلال موقفها من نظرية التطور ومن خلال الاهتمام المتأخر بتدريس الفتيات.

كما يظهر من تأسيس الجامعة أنها نشأت في سياق خضوع الدولة العثمانية لإملاءات القناصل الأجانب واهتمامهم بتأسيس المدارس ذات الطابع التبشيري، ومن ذلك، أنه وبحلول الحرب العالمية الأولى كان عدد هذه المدارس في مناطق الإمبراطورية العثمانية:

  1. 500 مدرسة كاثوليكية فرنسية ضمن 59 ألف طالب.
  2. 675 مدرسة أمريكية ضمن 34 ألف طالب.
  3. 178 مدرسة بريطانية ضمن 12 ألف طالب.

وتؤكد الأرقام الأخيرة الخاصة ببريطانيا عدم الاهتمام المعروف للاستعمار البريطاني بالتعليم في المنطقة العربية، فالتخلف كان جزءاً أساسياً من السياسات البريطانية.

منحت حقوق تأسيس الجامعة 1863 بموجب قانون الجمعيات الخيرية في ولاية نيويورك وبمبادرة من دانيال بليس، وعلى أساس المذهب البروتستنتي، ورغم طابعها (غير الحكومي) إلا أنها تأسست وفق دليل المجلس الأمريكي للمفوضين للبعثات التبشيرية الخارجية، وثمة من يعتبرها ذراعاً للخارجية الأمريكية.

وقد فتحت الجامعة أبوابها للدراسة سنة 1866 في غرف مستأجرة في منطقة الحمرا، في بيروت باسم الكلية السورية البروتستنتية قبل أن تتحول إلى الجامعة الأمريكية عام 1920.

وحظيت بدعم متواصل من الحكومة الأمريكية بما في ذلك منح دراسية من النقطة الرابعة والوكالة الأمريكية للتنمية.

ويلاحظ في ظروف تأسيسها تزامنها مع الانفجارات الاجتماعية الناجمة عن تداعيات الإمبراطورية العثمانية كما عن تداعيات الحملة البونابرتية الفرنسية والاستعمارية عموماً.

وكذلك توسع دور الأزهر وبعض المدارس العثمانية المخصصة للعائلات البيروتية بموازاة مدرسة بطرس البستاني في 1863، ثم جامعة القديس اليسوعية الفرنسية 1975.

وقد تلاها في المنطقة العربية تأسيس الجامعة المصرية 1908، (تحولت إلى مؤسسة حكومية 1925) ثم الجامعة الأمريكية في القاهرة 1920، ثم جامعة دمشق 1923، ثم الجامعة اللبنانية 1951، ثم جامعة بغداد 1957، ثم الجامعة الأردنية 1962.

وقد تولى رئاسة الجامعة الأمريكية: دانيال بليس المعروف بتعصبه المذهبي (1866-1902)، ثم بايارد دودج (1923-1948).

وفيما يخص موقف الجامعة الأمريكية من نظرية التطور، يلحظ الكاتب تأثيرات مزدوجة، لمؤسس الجامعة نفسه، بليس، ولتأثيرات أكثر الكليات المحافظة في أمريكا وهي كلية امهيرست، التي ظهر تأثيرها عندما تم (تحريم) دراسة نظرية داروين في الجامعة الأمريكية 1882، ومثلها قضية التعليم المختلط الذي تأخر حتى عام 1921، وقد بلغ عدد الطالبات بين الأعوام 1927-1952، 18 طالبة من بين 539 طالباً.

ومن الهيئات التي كانت ضد تدريس داروين والتعليم المختلط:

  • رئيس الجامعة، دانيال بليس.
  • جمعية يهود لندن.
  • الكنيسة الحرة الموحدة.
  • الجمعية الكنسية التبشيرية.

يشار هنا إلى أنه مقابل الأجواء الأمريكية، كانت سوريا تشهد حركة نسائية حيوية، عبرت عنها جوليا دمشقية وماري كساب العجمي بالإضافة إلى تأسيس صالونات وجمعيات ومجلات نسائية وتأسيس الاتحاد النسائي في سوريا ولبنان 1924.

الجامعة الأمريكية والقوى السياسية

بالرغم من الظروف التي رافقت تأسيس الجامعة الأمريكية، إلا أنها ومنذ أربعينيات القرن الماذي تحولت إلى بؤرة للنشاطات الحزبية والايديولوجية للقوى القومية واليسارية (القوميون العرب، والقوميون السوريون، والبعث، والشيوعيون)، فيما ظل الليبراليون الأضعف سياسياً ونظرياً.

وقد ولدت تيارات وجماعات عديدة من عباءة النقاشات الفكرية والسياسية للنشرات التي كان يصدرها الطلبة مثل جريدة أوت لوك (OUTLOOK) والمجتمع العربي والعروة الوثقى، وكانت الأخيرة هي الأهم من بين هذه النشرات بعد أن تحولت عام 1948 إلى منتدى ثقافي وأدبي ثم سياسي لا سيما مع إدارتها من قبل الدكتور قسطنطين زريق الذي جعل منها منبراً قومياً.

ويشير الكتاب إلى أن حل (العروة الوثقى) 1955، كان في عهد زريق نفسه، الذي تولى رئاسة الجامعة بالوكالة في تلك الفترة.

وقد قدمت العروة الوثقى، مساهمات هامة دفاعاً عن عبد الناصر بعد قرارات التأميم وفي مواجهة حلف بغداد ودعم ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، بل إن الطلبة خلال المظاهرات الداعية لإسقاط حلف بغداد (الذراع الجنوبي لحلف الأطلسي) 1954، تعرضوا لقمع الدرك اللبناني وسقط منهم قتلى وجرحى.

وهناك من اعتبر تلك المظاهرات الدامية بداية لسيطرة القوميين واليساريين على الجامعة وتحويلها إلى بؤرة حيوية ضد السياسات الاستعمارية الصهيونية والرجعية، ومنها المظاهرات التي خرجت احتجاجاً على فصل بعض الأساتذة بين الأعوام 1968، 1972، وابتداءً من العام 1970 راحت دوائر أمريكية تصف الجامعة بأنها (جامعة العصابات) في إشارة لنفوذ الجناح الراديكالي الثوري من الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية خلال ثمانينيات القرن العشرين، وبالتزامن مع تصاعد الصراع السياسي والعسكري بين الأمريكان و(إسرائيل) وحلفائهما من الكتائب مع القوات اللبنانية والشمعونيون، يورد عشرات الحوادث الدموية التي شهدها لبنان ومنها الجامعة الأمريكية:

  • الاجتياح الصهيوني للبنان.
  • تدمير ثكنات القوات الأمريكية والفرنسية في بيروت وسقوط مئات القتلى بينهم.
  • تدمير السفارة الأمريكية.
  • مقتل أكثر من رئيس ومسؤول في الجامعة الأمريكية، مثل ديفيد دودج (1981-1982) ابن الرئيس الأسبق للجامعة بايارد دودج. (ص237)، ومالكوم تير (1982-1984).
  • اختطاف العديد من الأمريكان (100 شخص تقريباً) بينهم عدد من موظفي الجامعة.
  • تفجير مبنى الكولدج هول، 1991.