“اسرائيل” وأساليب تجنيدِها بين الأمس واليوم

“اسرائيل” وأساليب تجنيدِها بين الأمس واليوم

من يتابع على منصة X، (تويتر سابقاً) يومياً، الحملة الممنهجة التي تقودها “اسرائيل”، والتي تهدف الى إعادة تلميع صورتها أمام الرأي العام العالمي بعد المجازر التي ارتكبتها وما زالت ترتكبها في غزة وامتدادها الى الضفة الغربية ايضاً، يستطيع أن يرى كيف تستخدم “اسرائيل” هذه البروباغاندا الاعلامية عبر تجنيد الآلاف من الداخل الفلسطيني ولبنان والشام والاردن ومصر وبعض دول الخليج عبر أسماء وهمية مشكّلةً جيشاً الكترونياً آخذٌ في الانتشار ومستخدمة أسلوب الجنرال الألماني غوبلز في شعاره الشهير: “اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى تُصدقك النّاس”.

اللافت في هذا الموضوع تزايد أعداد المُجنَّدين (ولو بشكلٍ غير مُباشر) من اللبنانيين ضمن هذا الجيش الالكتروني حتى أصبح أقرب لأن يكون “ذباب الكتروني” منهُ جيشاً.

في ما خص المنتسبين الى هذا الذباب فالأكثرية الساحقة منهم من مناصري الأحزاب اليمينيّة اللبنانيّة.

وفق المتابعة، فإنّ ذروة عمل هذا الذباب كان يوم الاحد الموافق الخامس والعشرين من شهر اب الفائت، بالتّزامن مع رد حزب الله على اغتيال الشهيد فؤاد شكر.
ما الذي حصل؟
أطلقت المواقع الالكترونية “الاسرائيلية” حملتها للترويج لعملية استباقية للتقليل من حجم رد المقاومة، حيث تنفي أيّ رد فعّال للمقاومة على عملية الثأر لاغتيال شكر، وتبعها بعد ذلك مئات التغريدات من مناصري القوات اللبنانية والكتائب عبّرت عن مكنون الحقد تجاه شركائهم في الوطن.
لا شك أنّ هذا الحقد والبغض وتمجيد الدور “الاسرائيلي” في لجم المقاومة له ذيوله التاريخية البعيدة عقوداً من تاريخ السابع من اكتوبر.
فمنذ إبرام المعاهدة بين الوكالة اليهودية (قبل انشاء الكيان الغاصب) وبين الكنيسة المارونية المرفق صورة عنها، والتي بموجبها تتعهد الكنيسة المارونية باعتراف كلي بحق “الشعب اليهودي” بانشاء الدولة اليهودية في فلسطين، وبفضل مفاعيل اتفاقية سايكس بيكو التي عملت على : 1- التجزئة السياسية: باقامة الكيانات اللبنانية والسورية والاردنية والفلسطينية والعراقية
2- التجزئة الاجتماعية بتحفيز العصبية الطائفية والمحاولات الدائمة لإقامة الكانتونات الطائفية التي تتماهى مع بروتوكولات حكماء صهيون (باقامة دويلات طائفية تحيط بدولة اسرائيل، تتنازع وتتقاتل في ما بينها، الامر الذي يكفل بقاء اسرائيل).
هذا الحقد والبغض دفع الكتائب اللبنانية في العام 1975 الى اطلاق شرارة الحرب الاهلية اللبنانية بإطلاق النار على بوسطة عين الرمانة التي كانت تقل فلسطينيين بحجة تمادي الفلسطينيين بموضوع المقاومة ورفضاً لانطلاق العمليات الفلسطينية من الاراضي اللبنانية. هذه الحجة نسفت اتفاقية القاهرة بين الدول العربية وهذا ما ارادته “اسرائيل” حيث قامت بإمداد الكتائب والاحزاب الحليفة لها بالسلاح لمواجهة المقاومة الفلسطينية التي كانت عملياتها تؤلم “اسرائيل”، فانبرى في لبنان من يدافع عن البندقية الفلسطينية فيما سمي في تلك الفترة الزمنية بأحزاب الحركة الوطنية وتطورت المواجهة من لبنانية فلسطينية الى لبنانية-لبنانية واتخذت شكلها الطائفي المعروف في وقتها من ذبح على الهوية ومجازر بحق مدنيين عزل وصراع على المناطق والاحياء الخ… حتى العام 1978 عندما اجتاحت “اسرائيل” الجنوب اللبناني بحجة إبعاد المقاومة الفلسطينية عن حدودها الشمالية (الامر الذي نراه اليوم ايضاً بمحاولة “اسرائيل” ابعاد المقاومة الى شمال نهر الليطاني بذريعة القرار الاممي 1701)، الامر الذي شكل ما عرف باسم الشريط الحدودي الذي اقامت عليه اسرائيل قوات مؤيدة لها (جيش سعد حداد والذي تحول فيما بعد الى تسمية جيش لحد) تمنع احزاب الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية من الوصول الى الحدود الشمالية لاسرائيل. استمرت هذه الحال لغاية العام 1982، حينما قامت “اسرائيل” باجتياح لبنان وصولاً الى العاصمة بيروت، حيث تلاقت مع القوات اللبنانية والتي كان يقودها بشير الجميل في حزيران من ذلك العام، مستبقة انتخاب رئيس جديد للكيان اللبناني حيث كان جُلّ همها انذاك ان تعين رئيساً للجمهورية اللبنانية موالياً لها (الامر الذي اتفقت به مع مشروع القوات اللبنانية لتعيين قائدها رئيساً للكيان اللبناني بشرط ان يكون لبنان ثاني دولة عربية تطبع مع اسرائيل بعد مصر)، وبالفعل فقد جمعت “اسرائيل” نواب البرلمان اللبناني في المدرسة الحربية وقاموا بانتخاب قائد القوات اللبنانية آنذاك بشير الجميل رئيساً للبنان مطلقاً شعاره (رئيساً للبنان ال 10452 كم) بحماية الدبابات “الاسرائيلية” خارج المدرسة الحربية. فيما أسفرت المفاوضات الدولية عن اتفاقية لإخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وإرسال قوات دولية للفصل بين المتقاتلين وللإشراف على انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية.

تشكلت في تلك الفترة جبهة لمقاومة الاجتياح “الاسرائيلي” للبنان من احزاب الحركة الوطنية سميت بجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، حيث ابتدأت عملياتها العسكرية في جميع المناطق التي سيطر عليها جيش الاحتلال، وقبل استلام بشير الجميل لمقاليد الحكم اللبناني نفذ احد ابطال جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية حبيب الشرتوني حكم الشعب.
ثُمّ سارع “الاسرائيليون” الى ترشيح شقيقه امين الجميل ليكون رئيساً للبنان، وبالفعل تم انتخابه كرئيس للبنان، والذي باشر في اولى خطواته كرئيس للجمهورية بعقد اتفاقية مع “اسرائيل” سميت باتفاقية 17 ايار نسبة الى يوم توقيعها
تزايدت في ما بعد العمليات العسكرية ضد الاسرائليين كان اكبرها تفجير مقر الحاكم العسكري في صور ومن بعدها ابتدأ نهج جديد للمقاومة اعتمد على الاستشهاديين والاجساد المتفجرة الامر الذي ارغم الاسرائيلي على الانكفاء الى داخل الشريط الحدودي.

هذا الحقد على كل من يقاتل “اسرائيل” غذته الأخيرة ابادئ ذي بدء بقبول اللبنانيين باتفاقية سايكس بيكو وباتفاقيتها مع الكنيسة المارونية آنذاك واستفادت منه بعد العام 1948 باحتلال اراضٍ لبنانية (القرى السبع) وهي تربيخا، وصلحا، والمالكية، والنبي يوشع، وقدس، وهونين، وآبل القمح. وقد نقلت هذه القرى من المجال الفرنسي إلى البريطاني نتيجة لاتفاق الحدود المبرم في عام 1923. وقد تم إخلائها جميعها من سكانها خلال الحرب العربية “الإسرائيلية” عام 1948، وتقع مواقعها السابقة الآن في شمال الكيان “الاسرائيلي” (شمال فلسطين المُحتلّة) وتبلغ مساحة هذه القرى 103740 دونم ، اي ما يعادل 103 كم مربع حسب الخرائط الطبوغرافية للجيش اللبناني هذا عدا عن اراضي سهل الحولة بموجب الوثيقة المرفقة ربطاً.

وبالعودة الى شعار الرئيس اللبناني المنتخب والذي اطلق شعار لبنان 10452 كم مربع، يتبين لنا ان الثمن الذي دفعه لينتخب كرئيس للجمهورية اللبنانية هو اقتطاع جزء من مساحة لبنان يقدر بأكثر من مئة كم وتقديمه على طبق من الذهب للاحتلال “الاسرائيلي”، وذلك بانتقاص سيادة لبنان على مساحة جغرافية من حق ابناء لبنان.
هذا الحقد ضد كل من يقاوم “الاسرائيلي” ابتدأت به “اسرائيل” مطبقة إياه على البعض في لبنان باستخدام مفهوم ال stereotype الصورة النمطية: وتعني القالب الثابت الذي يُستخدم لإصدار حكمٍ مسبقٍ مبني على فكرة شائعة جرى تعميمها عن شيء أو شخص أو مجموعة ما بناءً على اعتقاداتٍ شخصية.. قد تكون الصورة النمطية صحيحة أو خاطئةً. لكن ما يمكننا الاتفاق عليه هو أن اتباعها أسلوبًا للحكم المسبق أمرٌ غير صحيح. وهو الاسلوب السيكولوجي لغسل العقول والسيطرة عليها وتطويعها من أجل الوصول الى الغايات وهو ما اعتمده “الاسرائيليون” مع من يشتغلون تحت إمرتهم من اللبنانيين للوصول في نهاية الأمر الى مجاهرة البعض من اللبنانيين بعلاقاتهم مع “اسرائيل”، مستشهدين واخذين كمثال بشير الجميل وغيره، وضاربين بعرض الحائط دستورهم ومجاهرة الدولة بعدائها لاسرائيل وبدماء الشعب اللبناني التي سفكت على الارض اللبنانية من قبل “الاسرائيليين” وبالاراضي اللبنانية التي تحتلها اسرائيل مانعة عن مالكيها وورثتهم حقهم في ملكيتها، ومنتشين بوهم سيادة منقوصة تقبل باقتطاع اراض للبنانيين.
وكلما وصف احد مؤيدي المقاومة في لبنان شخص يتماهى مع الخطاب الاسرائيلي ومعيداً لهذا الخطاب على الملأ، بالعمالة، تقوم قائمة الذباب الالكتروني مجتمعة بالدفاع عن هذا الامر وتضرب مثلاً ان كل مؤيد لايران هو عميل ايضاً متناسين ان العلاقات بين الدول (غير المتعادية) تقوم على التمثيل الدبلوماسي، كما أنّ إيران لا تحتلّ جزءاً من “لبنانهم” ولا تحاول فرض أمرٍ واقع عليه. كما يهلل البعض منهم كلما استطاعت اسرائيل النيل من احد المقاومين بمسيّراتها، وصولاً الى مطالبتهم بفتح مطار ثان غير مطار بيروت الدولي (التاريخ يعيد نفسه كما جرى ابان الاحداث اللبنانية بشعار حالات حتماً) ،ويؤلب المسؤولون في القوات اللبنانية اللبنانيين عنصريا بقوله (انهم لا يشبهوننا ولا نشبههم ضد كل من يؤيد مقاومة “اسرائيل”) ، واخر بدعهم ان لبنان “لا يريد الحرب” ضد “اسرائيل”( علماً ان اسرائيل تعمم هذا النبأ يومياً على مناطق الجنوب اللبناني عبر اتصالات تجريها مع كثر عبر الهواتف الذكية)، ومستندين الى استطلاع رأي قام على عينة تمثيلية وليس على استطلاع رأي شارك به كل الشعب اللبناني، وموظِفين إعلام بقنوات معروف مصادر تمويلها، واعلانات تحاول تغطية لوحات الاعلان في كافة المناطق اللبنانية لبث روح التيئيس والاستسلام بين مختلف ابناء الشعب الواحد مستخدمين شعارات طائفية في اغلب الاحيان، كما يعيدون نغمة الفيدرالية في محاولة لتغيير النظام اللبناني كحل نهائي.
من يتابع مجريات الاحداث والتاريخ منذ انشاء الكيان الإسرائيلي يستطيع ان يتأكد ان منطق القوة كان غالباً دائما في جميع مجالات الصراع العربي-“الاسرائيلي”، ولتحقيق القوة كان لا بد من تكريس الارادة، نعم الارادة التي كرست المقاومات المتتالية، فها هو شعب غزة وها هو شعب لبنان باراداتهم، بتصميمهم، بالسلاح الاقل تفوقاً، يكبدون هذا العدو خسائر (لو تجرأ واعلنها لكانت قيامة شعبهم ضدهم قد قامت)، هذه الارادة هي السلاح المتطور بوجه الفاشية الجديدة، هذه الارادة التي لم يستطع هذا العدو النيل منها، هذه الارادة هي التي ارست معادلة الردع وسترسي معادلة التحرير ايضاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *