أوراق من يوميات اجتياح لبنان عام 1982

يوميات اجتياح العدو الإسرائيلي للبنان في حزيران من العام 1982 والذي وصل الى بيروت واخرج منظمة التحرير الى تونس وادت تداعياته الى تطورات عديدة، هي ثاني عاصمة عربية يدخلها محتلا بعد القدس ولكنها اول عاصمة يخرج منها مهزوما بفعل ضربات المقاومة.

الحلقة الثانية

معركة الدامور واحتلال صيدا

في مقال لصحيفة معاريف في ٢٥ حزيران ١٩٨٢، يروي الجندي في جيش العدو “الإسرائيلي”

‏ “أمير هرماتي” (مظلي) تفاصيل جحيم معركة الدامور:

‏«على بعد ٣ كم إلى جنوب شرق الدامور، بالقرب من الجسر القائم هناك، طلب القائد من مجموعة جنود التقدم راجلين باتجاهه، للتأكد من أنه غير ملغم.

‏سرنا عليه وكان رفاقي يبعدون حوالي ٢٠ متر، عندما وصلت لمنتصف الجسر، انفجرت فجأة عبوة ضخمة على بعد متر واحد مني. فقذفني الانفجار بعيدا، هرع الممرض لمساعدتي، عندها انفجرت عبوة ثانية فأصيب بجروح خطيرة. بدأنا نزحف ببطء وصعوبة والدماء تنزف منا، عندها بدأ المقاتلون الفلسطينيون يمطروننا ‏بنيران كثيفة من رشاشات ثقيلة ومتوسطة… أما القوات المدرعة توقفت عند مشارف الجسر، بعد أن تكبدت خسائر فادحة. وما تبقى منها تراجع إلى مسافة بعيدة.

‏أما القائد الذي كان يتقدم رتل الدبابات فقد قتل بعد أن أصيبت آليته التي يستقلها، إصابات مباشرة بواسطة قذائف آر بي جي.

‏عندها أسرع الملازم “حنان غور شتاين” نحو مقدمة الرتل وتولى القيادة، حيث لم يبق ضابط غيره. بعد لحظات قصفت آليته، فأصيب هو الآخر بجروح خطيرة وقد نجا من الموت بأعجوبة.»

أعلنت معركة الدامور للجيش الإسرائيلي أن إكمال الطريق لن يكون نُزهة كما تصور. فكانت معركة صيدا:

عند الساعة الحادية عشرة ليلًا، وردت معلومات تفيد بأن البحرية الإسرائيلية تقوم بإنزال قوات مؤللة على جسر الأولي، لعزل المدينة من الناحية الشمالية، وقدر حجمها بكتيبة.

‏تعتبر منطقة الأولي مفصلًا استراتيجيًا ملائمًا للإنزالات البحرية، في حال السيطرة عليه يمكن قطع الطريق الساحلية بين بيروت وصيدا.

‏كان من الواجب ألا يغيب عن بال القيادة الفلسطينية في الجنوب بأن الإنزال الإسرائيلي في تلك النقطة محقق لا ريب فيه. ‏بالتالي، عليهم الاستفادة من طبيعة تلك الأرض، وبناء الاستحكامات ورفع السواتر وزرع الكمائن.

‏بعد تأكد تلك القيادة من حصول الإنزال، لم تتعامل معه بالجدية اللازمة، فتستغل عتمة الليل وغياب الطيران الحربي لمنع تمركز الدفعات الأولى من جنود العدو الذي نجح بتحويلها إلى منطقة ارتكاز ‏لمزيد من عمليات الإنزال البحري، ومصيدة لمقاتلي الثورة الفلسطينية.

‏صباح الاثنين السابع من حزيران، اكتمل عديد اللواء المظلي من الفرقة الخامسة بقيادة الجنرال عاموس يارون على جسر الأولي، ويعتبر هذا اللواء من ألوية النخبة في الجيش الإسرائيلي.

‏فور نزوله إلى اليابسة، بدأ بالتمدد نحو ‏الهضاب الشرقية المشرفة على المدينة، فاحتل الهلالية وتلة شرحبيل، وتلاقى مع الوحدات القادمة من إقليم التفاح وشرق صيدا التابعة لفرقة الجنرال “كلهاني” القادمة من النبطية، بهذا اكتمل حصار صيدا من كل الجهات.

‏عين الحلوة:

‏كان لواء غولاني من ضمن القوات التي تقدمت من جسر القاسمية باتجاه صيدا. وحين وصل إلى مدخلها الجنوبي، أعطيت الأوامر لإحدى الكتائب بالدخول لمخيم عين الحلوة.

‏حاولت تلك الكتيبة احتلاله وشطره إلى قسمين بعد تمهيد ناري كثيف، لكن المحاولة فشلت نتيجة صمود المدافعين.

‏في اليوم التالي، الثامن من حزيران، قامت الطائرات والمدفعية بقصف أحيائه، لتغطية هجوم جديد، لكن الهجوم انقضى، دون تحقيق أهداف كبيرة على الأرض.

‏عندها تم استبدال قوات غولاني بوحدات من فرقة الجنرال مردخاي.

‏قدرت القوة المدافعة عن المخيم بمئتي مقاتل، بقيادة الحاج إبراهيم، الذي رفض وساطات التسليم التي أجراها معه بعض وجهاء المخيم بتكليف من الجيش الإسرائيلي وأبلغهم:

‏”من الأفضل لنا أن نموت في المخيم، في بيوتنا، سلاحنا في يدنا، على أن نعيش مدلولين أمام هؤلاء الملعونين.”

‏-زئيف شيف وايهود يعاري، لبنان آخر واطول حروب إسرائيل، ص٢٩.

‏يوم الخميس العاشر من حزيران، صبت الحمم من الجو والبر على مباني المخيم التي تضارع قشرة الفستق لهشاشتها، وتحت غطائها تقدمت قوات مردخاي التي يزيد عديدها على لواء كامل، ونجحت مع أفول شمس النهار باحتلال أحد احيائه، ‏والسيطرة بالنار على المستشفى الميداني.

‏يتحدث العقيد الإسرائيلي دمف يرميا:

‏” وقفت قافلتنا على مشارف صيدا، بينما يمتد مخيم عين الحلوة، اخذت المدفعية التي تصحبنا بقصفه قصفًا محمومًا. قيل لنّا إن الفدائيين ما زالوا متواجدين في عين الحلوة والمية ومية، وأنهم يطلقون النار علينا، ‏وقد تكبدنا الكثير من الإصابات… وقيل لنا أن الهدف من القصف إجبار الفدائيين على الاستسلام، وحماية قواتنا حتى لا تصاب بخسائر إضافية.”

‏-يوميات الكولونيل دوف يرميا، دار المروج، بيروت، ص٣١.

‏يستطرد الكولونيل:” صباح السبت ١٢ حزيران، استؤنف القصف المدفعي على مخيم عين الحلوة، بحجة أن ‏الفدائيين مازالوا متواجدين في داخله، وغير مستعدين لتسليم أنفسهم. ومرة أخرى تظهر الطائرات في كبد السماء، وتقوم بإلقاء حمولتها من القنابل الضخمة على المخيم، ما يذكرني بعمليات القصف في الحرب العالمية الثانية.”

‏يوم ١٤ حزيران سقط المخيم بعد قتال مرير وعنيف، من بيت إلى بيت، أظهر فيه ‏الحاج ابراهيم ورجاله شجاعة نادرة. استمات المقاتلون واستلحموا في دفاعهم حتى استشهادهم عن بكرة أبيهم، ولم يدخل العدو المخيم إلا بعدما ذرته النار إلى قاع صفصف.

‏أثناء سير المعارك في عين الحلوة، سقطت مدينة صيدا، بعدما قصفوها على مدى أيام من البر والبحر والجو، وارتكبوا عمليات. ‏قتل جماعية بحق المدنيين، لاسيما مجزرة المدرسة الابتدائية الواقعة على طريق جزين حيث قتل ١٢٥ شخص من الأطفال والنساء.

‏أوردت الشرطة اللبنانية في تقريرها:” ١١٠٩ قتلوا في صيدا ذاتها، وجرح ٣٦٨١. كما قتل ١١٦٧ وجرح ١٨٩٥ في مخيم عين الحلوة والمية ومية.

انتظرونا في العدد القادم حيث سنقف عند معركة خلدة، حيث مزج الدم اللبناني والفلسطيني بدم الجيش الشامي وكانت أم المعارك.