مجازر تحمل رسائل

مجازر تحمل رسائل

كان جيش الاحتلال قد حدد منطقة مواصي خان يونس باعتبارها منطقة آمنة أو أنّها خارج نطاق العمليات العسكرية إلّا أنّه لم يتورع يوم السبت الماضي عن ارتكاب مجزرة بشعة  بقصف من طائرة ف 35 ،أودت بحياة ما يزيد عن 100 شهيد ومثلهم من الجرحى، اِدّعى الجيش (الاسرائيلي) أنّه قام بجريمته هذه بناء على معلومات دقيقة  من طائرة تجسس أفادت أنّ أحد أو بعض قادة المقاومة متواجدون في المكان الذي ارتكبت فيه المجزرة، الأمر الذي جعل القرار يتخذ من أعلى هيئة قيادية في إدارة الحرب، وهو ما نفته المقاومة جملة وتفصيلا نفيا أصبح له من المصداقية ما يفوق كثيرا ادعاءات الاحتلال.

لعل اختيار يوم السبت لم يكن مصادفة بحتة وانما نتيجة حساب لمسالتين الاولى أنّ أيام السبت تشهد مظاهرات في المدن (الإسرائيلية)، فالحكومة (الاسرائيلية) تملك يومين حتى انتهاء الاجازة الأسبوعية التي لن يجد العالم ما يكفي من الدم والموت ما يدعوه لقطعها، وبعد ذلك حصل ما هو متوقع من الحديث عن لجان تحقيق وانتظار نتائجها التي لن تأتي، ثم التصريحات الفارغة عن الاسف وضرورة ضبط النفس وصولا الى اقصى ما يمكن أن يصل اليه العالم المنافق من بيانات الادانة اللفظية الرافعة للعتب. و تريد الحكومة و رئيسها أن يرسل لهم رسالة مفادها: انني أضرب بقوه وانني ملتزم بالقضاء على المقاومة وتحقيق أهداف الحرب  و استرداد الاسرى الاسرائيليين الذين تحتجزهم المقاومة و بالقوة، و ذلك في وقت تتراجع به شعبية نتنياهو و تحالف اليمين وفقا لاستطلاعات الراي شبه الرسمية، و يريد القول لمن يتحدث عن التهدئة ومفاوضاتها من قوى اقليمية او دولية أنّ الحكومة (الإسرائيلية) في غير وارد الذهاب في هذا الطريق و للوصول الى نهايات حميدة في المسار الدائر في القاهرة و الدوحة، وفي حين تنشط العاصمتان باستقبال الوفود الأمريكية و(الإسرائيلية) غير ذات الصلاحيات نرى الاعلام المرتبط بتلك العواصم يشيع الاخبار عن قرب التوصل الى اتفاق، ليقطع نتنياهو قول كل خطيب منهم و يأتي الرد الرسمي (الإسرائيلي) بارتكاب المجازر لقطع الطريق ذو النهاية المسدودة أصلا.

.

.

ماذا يريد نتنياهو ايضا؟  إنّه يريد القول انني ذاهب في هذه الحرب مهما كانت الضغوط والخسائر و الى حيث تصل وأنّ على الفلسطيني ومعه محور المقاومة أن يدرك أنّها حرب بلا ضوابط أو سقوف أو محرمات و أنّ ما جرى في مواصي خان يونس يمكن تكراره في الضفة الغربية او لبنان، وأنّه يقول وبصراحة أنّه لا يلقي بالا للإعلام أو للراي العام الدولي أو للقانون الدولي الانساني وهو بغير وارد الاهتمام بما قد يصدر عن محكمة لاهاي أو محكمة الجزاء الدولية، وإن كان يهمه شيء فليس إلا الناخب الاسرائيلي وبهذا يعود للعمل وفق النظرية القديمة القائلة ان لا سياسة خارجية لدولة الاحتلال وانما سياسة داخلية تأخذ اشكالا خارجية

أطلقت الجمهورية الإسلامية إيران على بعض سياساتها اسم سياسة الصبر الاستراتيجي وهي السياسة التي التزمت بها المقاومة اللبنانية خلال الحرب، محافظة على الالتزام بحدود المشاغل الفعالة و بالقاعدة الفيزيائية لإسحاق نيوتن القائلة لكل فعل رد فعل مساوي له بالمقدار ومعاكس له بالاتجاه وهو ما بدا في طريقة عمل المقاومة الفلسطينية ايضا التي لم تتجاوز في حربها حتى الآن حضور قطاع غزة وهي على ما يبدو لم تتخذ قرارا بأكثر من الهدوء في مناطق 1948 او المشاغلة في الضفة الغربية.

هل ستكون المجازر الأخيرة قادرة على استنفاذ مخزون الصبر الاستراتيجي لدى المقاومة الفلسطينية؟ هذا ما ستكشف عنه تطورات الحرب.

جنين- فلسطين المحتلة