خطوة مستهجنة!

خطوة مستهجنة!

كأنه لا يكفينا القواعد العسكرية الأميركية والغرب أطلسية الجاثمة على صدورنا، ليضاف إليها افتتاح مكتب اتصال لحلف النيتو في الأردن.

أما بيان وزارة الخارجية في ديرتنا الأردنية، المتعلق بافتتاح هذا المكتب المشؤوم، فقد جانبه التوفيق وما نرى الحقيقة إلا مدابرة له ومُنكِرة. البيان في مطلق الأحوال يندرج في إطار المضحك المبكي، وأقرب ما يكون إلى محاولة مرتكب فضيحة التغطية على فعلته. اللغو هنا، والكلام الفارغ من أي مضمون، أظهر من أن نحتاج إلى تبيينهما وإطالة القول فيهما. استهلت الوزارة بيانها بلفت نظر القارئ إلى “أهمية دور مكتب النيتو في تعزيز التعاون مع الحلف”، وكأن النيتو جمعية خيرية تقيم علاقات “إنسانية” مع الدول وليس علاقات استتباع وإخضاع وإملاء. ولم يفُت الوزارة أن تبيع قارئ بيانها ما استطاع كاتبه تضمينه من أوهام وتعمية على الحقيقة. فالمكتب بحسب البيان، “أُعلنت نية انشائه في البيان الختامي لقمة النيتو في ليتوانيا 2023”. وقررت الوزارة “أن افتتاحه علامة فارقة في شراكة الحلف الاستراتيجية العميقة مع الأردن”. أي علاقة شراكة استراتيجية بين حلف عدواني، كما يشهد تاريخه ويؤكد، مدجج بأحدث الأسلحة التقليدية والنووية، ودولة بحجم الأردن تكابد ظروفًا اقتصادية قاسية وبطالة متفشية وجيوب فقر تتسع؟!!!

وأية فواحش لفظية تقارفها الوزارة بحشو بيانها بعبارات من نوع “المكتب سيسهم في الحوار السياسي والتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك”؟!!!

فمن قال للوزارة أن حلف النيتو معنيٌ أصلًا بالحوار مع أي طرف كان، وخاصة الحوار السياسي؟!!!

وهل لوزارة الخارجية في ديرتنا الأردنية أن تُطلعنا على مجالات الاهتمام المشترك بين الأردن وحلف النيتو؟!!!

كما طاش سهم الوزارة أكثر ودابرها الصواب، في إتيانها على ذِكر “مكافحة الإرهاب” في البيان. بطبيعي أمر هذا الحلف العدواني الشرير، فإن مفهومه للإرهاب هو ذاته المعتمد في القاموس السياسي الأميركي والصهيوني. فارتكاب حرب ابادة بشعة في غزة بمشاركة أميركية مباشرة، جل ضحاياها من الأطفال والنساء، ليس ارهابًا. أما دفاع الشعب الفلسطيني عن حقوقه المشروعة، وأهمها حقه في الحياة والحرية والاستقلال في مواجهة عدو عنصري استعماري احلالي يحظى بدعم أميركي وغرب أطلسي ناتوي مفتوح، فهذا ارهاب!!!

إذا كانت حقيقة حلف النيتو غير مُدرَكَةٍ لعقل وزارة الخارجية، فنحن نُذكرها بها.

هذا الحلف منذ إنشائه سنة 1949، كان وما يزال أداة أميركا للعدوان والابتزاز ونهب ثروات الشعوب والتدخل في الشؤون الداخلية التي لا تروق سياساتها للبيت الأبيض. أما الأدلة فكثيرة، آخرها المشاركة في العدوان على العراق سنة 2003 وقبل ذلك سنة 1991، والمشاركة في تفكيك يوغوسلافيا السابقة، والتدخل في أفغانستان، يُضاف إلى ذلك المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا على الساحة الأوكرانية.

على صعيد قضايانا العربية، وأولها القضية الفلسطينية، فإن توجيهات واشنطن وسياساتها هي بوصلة الحلف. وعليه، فإننا نستهجن افتتاح مكتب اتصال للنيتو في الأردن بالتواقت مع حرب إبادة جماعية بشعة يواصل الكيان الصهيوني ارتكابها في غزة، منذ عشرة أشهر، بدعم أميركي مفتوح سياسيًّا وماليًّا وعسكريًّا. هذه الخطوة غير الموفقة، تضع الأردن في موقف نقيض لمصالح أمته، وعلى الضد من التزام شعبه الأبي في الدفاع عن قضاياها العادلة، وبشكل خاص القضية الفلسطينية.

على الصعيد الدولي، يأتي افتتاح المكتب في زمن يشهد تحولات متسارعة باتجاه التعددية القطبية، وبروز روسيا والصين كلاعبين أساسيين في هذا المجال. وليس يفوتنا تذكير الأردن الرسمي بالمواجهة العسكرية بين روسيا من جهة، وأميركا وغربها الأطلسي بما فيه النيتو في الجهة المقابلة، على الساحة الأوكرانية. المواجهة مفتوحة على أكثر من احتمال، وخاصة مع تقدم القوات الروسية على الأرض. في هذا الوقت بالذات، وفي ظل تحولات وظروف كهذه، فإن افتتاح مكتب اتصال للنيتو في الأردن، يُعد انحيازًا لأحد طرفي المواجهة. ولا ندري أي مصلحة للأردن، من الزج به في مواجهة بين قوى دولية نووية كبرى؟!!!

خلاصة القول، افتتاح المكتب المشؤوم، خطوة مستهجنة في توقيتها، بقدر ما هي مريبة ومثيرة للتساؤل في أهدافها.