الأردن، ماذا عن الأخطار الداخلية

الأردن، ماذا عن الأخطار الداخلية

لا يتوقف الإعلام الرسمي الأردني عن الحديث عن خطر الحدود والأخطار الخارجية، فيما تأتي التهديدات الصهيونية في ذيل القائمة مقابل النفخ في بوق الاعتبارات الثانوية، وتغيب تماما عن الأحاديث الإعلامية الرسمية تداعيات الشرق الإبراهيمي واستحقاقاته فيما يخص كل دولة، بل تحويل دول الشرق العربي إلى كيانات بلدية في المحيط الصهيوني.

إضافة إلى هذا الإرباك في تناول الأبعاد الخارجية، لا أحد في الإعلام الرسمي الأردني يتحدث عن الأخطار الداخلية ولا عن إطارها العام الذي حوّل الأردن إلى معادلة: الدولة الضعيفة – النظام القوي، والتي سبق أن عرفت باسم آخر هو الدولة الشرطية – الجابية، وهو نموذج استعاره البنك وصندوق النقد الدوليين من الأشكال البدائية للسلطة.

ولعل من أبرز مظاهر وتجليات الأخطار الداخلية المغيبة والتي زادها تغيبا وتغييبا قانون الجرائم الالكترونية الذي يتربص بكل شاردة وواردة ولا يتحمل أدنى ملاحظة نقد بسيطة:

إن الأردن قاب قوسين أو أدنى من الالتحاق بركاب الشعوب الفقيرة بعد أن وصل الفقر إلى الخط الأحمر فعلا، فمقابل 300 دينار تقريبا معدل الرواتب والأجور لرب العائلة، فإن استحقاقات الحد الأدنى من الوجبات الغذائية والخدمات الأساسية تقترب من 1000 دينار على أقل تقدير، ناهيك بفوائد القروض التي تثقل كاهل الأردنيين، فما من عائلة أردنية خارج هذه الفوائد، وناهيك برسوم الطالب الجامعي، فما من عائلة أردنية لا تنفق مثل هذه الرسوم المرتفعة على طالب أو أكثر، علما بأن الأردن من البلدان القليلة في العالم التي لا تزال العائلات فيها تنفق هذا القدر على الرسوم الجامعية التي تأكل حصة كبيرة من دخل العائلة.

ويعود ذلك كما يعرف الأردنيون إلى فلسفة السوق المتوحشة والتخاصية التي يديرها البنك وصندوق النقد الدوليين والتي طالت كل شيء في الأردن، بما في ذلك تحطيم النظام التعليمي والصحي السابقين، وقد كانا من أفضل الأنظمة المدارة من القطاع العام قبل إهمال مبرمج مقدمة لبيعهما بسعر رخيص وإخضاعهما للقطاع الخاص تدريجيا.

وهو الكلام الذي ينقلنا إلى حيثيات وظروف تحطيم الطبقة الوسطى التي شكلت فيما مضى أكبر قاعدة اجتماعية للدولة، وقد جرت عملية التحطيم المذكورة ضمن معطيات مغايرة لما شهدته بلدان أخرى محتلة عمليا من البنك الدولي.

فالمسألة في الأردن لم تتعلق فقط بعولمة التخاصية ومدرسة شيكاغو المتوحشة ضد الطبقات الشعبية، بل أيضا بتصفية الشكل الاجتماعي للدولة والذي تم تأسيسه سابقا لاحتواء التحولات الاجتماعية في سوريا والعراق ومصر، ولبناء قاعدة اجتماعية للتنافس القديم مع منظمة التحرير الفلسطينية.

يشار كذلك إلى الشكل الكانتوني – البلدي للسلطات في الشرق الإبراهيمي المتصهين الجديد الذي يقتضي الهبوط بالدولة إلى مستوى السلطة الجابية، واستبدال مشروع المواطنة بالسكان.
وهو ما يعني أن الأردن بدأ يفقد الشروط الاجتماعية الأساسية الثلاث الضرورية للدولة: المجتمع العام بما هو تشكيلة طبقية ما بعد المجاميع الطائفية والعشائرية والجهوية، والمجتمع السياسي (الدولة)، والمجتمع (الأحزاب والنقابات والمنظمات الشعبية)، حيث تم ترويض الأوساط التاريخية منها وإغراق البلد بأشكال وقوانين حزبية وبرلمانية تحت السيطرة.

على أن أخطر تداعيات هذه السياسة هو الذي بدأ ينعكس على الطبقات الشعبية بسرعة مذهلة تضع الأردن كما غيره من البلدان التابعة أمام طوفان جوع وشيك، لا تنفع معه البروباغاندا الإعلامية وسياسات التخويف ومصادرة الحريات، ومن ذلك على سبيل المثال:

  • الهروب من الاستحقاقات الاجتماعية إلى الحديث المنفوخ عن تطوير الحياة السياسية والحزبية والبرلمانية، فيما تعرف الأوساط الرسمية أن هذه المسائل آخر ما يشغل بال الفقراء الذين تطحنهم الماكينة المتوحشة للبرجوازية الطفيلية السائدة.
  • نظام الضرائب الذي يتضمن عشرات بل مئات الضرائب التي تقع في غالبيتها على كاهل الطبقات الشعبية، مثل ضريبة المبيعات والضرائب غير المباشرة التي تحتل المكانة الأساسية في إيرادات الدولة مقابل مساهمات ضئيلة للبرجوازية الطفيلية.
    يشار هنا إلى أن أحد أسباب المروحة الواسعة لنظام الضرائب المتوحش في الأردن هو أنه يوفر المبالغ الكبيرة المطلوبة للإنفاق البيروقراطي المفترض أن المساعدات الدولية تغطيه، لكنها تتبدد عبر أشكال النهب المختلفة، أي أن البرجوازية الطفيلية النافذة تلجأ إلى الضرائب مرتين، مرة لتأمين نفقات جهازها البيروقراطي، ومرة في سياق تحولها من دولة رعاية وتخادم وظيفي سياسي إقليمي إلى دولة جباية.
  • حزمة الإجراءات الجديدة حول أهم نظامين للتوظيف والتقاعد في الأردن، وهما نظام التقاعد المبكر، ونظام التوظيف وفق مبدأ التعاقدات القصيرة (نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام رقم 33 لسنة 2024).
  • وثمة مشاريع إجراءات وقوانين قيد الدرس تقع كلها على كاهل الطبقات الشعبية من رفع فواتير الكهرباء والخدمات المختلفة، وذلك علما بأن الضرائب المفروضة لا تقابل بالحد الأدنى من أي خدمة عملا بفلسفة الاقتصادات الضريبية، خدمة عامة مقابل كل ضريبة.