القوة للحق

القوة للحق

ماذا عندما يصبح العالم غابة؟

وماذا عندما يبتلع العالم كل مواثيقه ونظمه وقيمه ويتراجع الى حقبة الوحوش، آكلي لحوم البشر في ادغال الهمجية؟

هكذا هو عالم اليوم، منذ السابع من أكتوبر، يوم شاء اهل الأرض إعادة قضية بلادهم الى اذهان البشرية والى طاولات الحل والتفاوض، بعدما حولتها سياسة الارتهان والاستسلام والمشاريع الدولية، الى سراديب النسيان، من خلال مخططات التطبيع السوداء.

حوالي تسعة أشهر، 262 يوماً بالتمام والكمال، ومحرقة غزة مستمرة، تواجهها إرادة البقاء والتصميم على استرجاع الحقوق.

وضعت دولة العدو، على ما أسمته الرد على عملية طوفان الأقصى، اهدافاً عدة، دون ان تتمكن الى الآن من تحقيق أي منها، سوى تدمير غزة، وقتل نحو أربعين ألف شهيد وتسعين ألف جريح.

بالمقابل اسقطت العملية كل العناوين التي جهدت الامبريالية العالمية، طيلة خمسة وسبعين عاماً، على اسباغها على دولة الاغتصاب، من انها واحة الديمقراطية في المنطقة وإنها الدولة الحاضنة للجيل الناجي من محرقة النازية والاضطهاد، وإنها جاءت ودفعت ثمن هذه الأرض من أموالها وهي ارض لا شعب فيها، ثم سرديتها المزورة على انها ارض “الميعاد المقدسة”.

اسقطت هذه العملية، وتمادي السلوك الوحشي للعدو، ودعم الدولة الاستعمارية لهذه الدولة، كل القيم المزيفة التي جهد العالم المزعوم حراً على المناداة بها، لقد تهاوت كل المنظمات الأممية الزاعمة للعدالة في إدارة شؤون العالم في الحرب والسلم، وظهر دورها الحقيقي الذي تحدث عنه سعادة منذ اربعينات القرن الماضي قائلاً “إنها لم تنشأ كنتيجة عامة لإنسانية عامة، بل ان هذه المنظمة نشأت من أمم منتصرة، لتقر الحق الذي تقرره الأمم المنتصرة”.

قصد سعادة دور الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تأكد فشلها في إيقاف المجزرة الجارية في غزة وفي ردع عملية الإبادة القائمة.

لم يستطع أنطونيو غوتيريس، امين عام الأمم المتحدة البرتغالي السبعيني، ان يطبق ما وعد العالم به لدى استلامه مهامه عام 2017، عندما أعلن ان الكرامة الإنسانية ستظل في جوهر عمله، كما بعد شهر من وقوع الواقعة، عندما أكد انه لن يستسلم.

فشل في إيقاف الحرب، وفشل في منع التجويع وإيقاف قوافل المساعدات الطبية والغذائية، مما أدى الى اضعاف مصداقية الجمعية العامة للأمم المتحدة امام العالم اجمع.

ورغم ادعاء الأمين العام غوتيريس، ان السبب هو مرور زمن طويل على تأسيس الجمعية، متجاهلاً أبرز الإشكاليات الا وهو حق النقض، “الفيتو” الذي جعلته الدول العظمى ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، حقا مكتسبا، مما يجعل هذا الكوكب بآسره، اسير هيمنتها وجشعها بثروات العالم واستعماره من جديد بعناوين مزيفة هدفها اخضاع الكون لأحادية سيطرتها على العالم.

القرار الوحيد الذي استطاع مجلس الأمن إصداره، لوقف الحرب ولم تنقضه الولايات المتحدة، كما في المحاولات السابقة، لم تصوت عليه (القرار2728) في حين انها نقضت أكثر من ثلاثة مشاريع سابقة.

إذا، اسقطت واشنطن نتيجة تعنت ربيبتها “إسرائيل “دور المنظمة الأممية الأبرز ودور مجلس الأمن، وافشلت كل المساعي الدولية التي قامت بها بعض الدول، ومعها مساعي الأمين العام غوتيريس، لكنه دأب على اعتبار الحرب” كابوساً مروعاً”، ولم يبق امامه الا التنديد والتحذير، بعدما شمل قلقه اليوم جنوب لبنان، وازدياد احتمالات توسيع الحرب اليه.

استطاع تعنت قادة دولة الاحتلال المدعومة من دول الاستعمار الجديد واشنطن وأوروبا، ان يهزم كل المنظمات الدولية المعنية بحراسة هذا الكوكب ، بعد مجلس الأمن، جاء دور محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، والمحكمتان اخضعت قرارتهما للتمييع والتغاضي وكذلك للابتزاز، فاذا ادانت نتنياهو ووزير دفاعه غالانت، وجب على المحكمة ان تدين المقتول وأهله ،والمسلوبة ارضه ،السنوار ورفاقه من قادة حماس، ووجب على المقاومة في غزة ان تطلق الرهائن، باعتبار اسرهم جريمة حرب، اما الالاف من الشعب الفلسطيني المرمي في معتقلات وزنازين، العدو بجريمة انه ابن الأرض الذي صمد ولم يتراجع عن المطالبة بحقوقه وبيته وارضه، هم “إرهابيين “وجب اسرهم حتى الموت.

بالمقابل ايضاً وجب على ابن الجنوب ان يبقى عرضة للقتل في منزله، وارضه عرضة للاحتلال، وارزاقه عرضة للاقتطاع والحرق والتدمير وحتى التهجير وان يبقى في حالة ترقب لمجازر مقبلة عليه وإذا استدرك وساند ابن فلسطين في استرداد حقه وارضه المحتلة، وقصد من مساندته تخفيف الضغط على الفلسطيني المقتول والمذبوح والعالم لا يسمع، فهو يتدخل بشؤون لا تعنيه!!!

من الثابت ان الفلسطيني، لم يعد وحيداً بعد الآن وان سياسة أحادية القطب “الأميركي” التي تهيمن على العالم، واجهها من جهة أخرى محوراً اخر يساند شعبنا في لبنان وفلسطين، وسوريا، يمتد هذا المحور ليشمل اليمن وإيران والعراق هو المحور المقاوم، الذي استطاعت قدراته إطالة أمد الحرب الى مدى لم تتوقعه دول الغرب، مما كشف النوايا والمطامع الصهيو _أمريكية تماماً، وصولاً الى مأزقه الذي ظهر للعيان في توازن القوة الذي شكلته المقاومة وأرعبت به العدو.

فاذا كان قاذف الياسين وإرادة الصمود، قد جعل من غزة مقبرة لجنود العدو، فأن ما اظهرته المقاومة من أسلحة تتقن استعمالها بالتدرج، ومؤخراً ما خزنته طائراتها الاستطلاعية “الهدهد “من كنز اهداف، كل ذلك يضاعف القلق الدولي من احتمال وقوع الحرب، وهي لن تكون مدمرة للبنان وحسب كما يهدد العدو وداعميه، بل هي ستجر الولايات على دولة الكيان ايضاً باعتراف قادة من جيشها.

وكان الخطاب الأخير للسيد حسن نصر الله، والذي وصف بأقوى خطبه اطلاقاً، قد وضع النقاط على الحروف ورادعاً أي تحالف في المنطقة، تحاول منه دولة الاحتلال الاستقواء على لبنان، وخاصة من قبرص، الدولة التي اجرت فيها “تل ابيب ” مناورات عديدة لأنها تحاكي الجغرافية اللبنانية، وهي ترمي استغلال أراضيها للمساندة، وقد فعل التهديد فعله، بعدما اكدت السلطات القبرصية رفضها استغلال ارضها للاعتداء على جيرانها، وهي بالمناسبة أقرب الى شواطئ لبنان من “ايلات ” في فلسطين.

ان سياق الحرب القائمة في فلسطين وجنوب لبنان، يؤكد من جديد ان القوة هي القول الفصل، ابداً، وانه لا شيء يدعم الحق إلا القوة. لا المواثيق اوالنظم، وهذا ما علمنا إياه سعادة “القوة هي التي تقرر المصير، حيث تتصادم الارادات وتتضارب المصالح” ويضيف “إذا كان هذا العصر، عصر تنازع الأمم، فهو عصر اعمال لا عصر اقوال”.

رئيسة التحرير