اليهودية والصهيونية والقومية الاجتماعية

اليهودية والصهيونية والقومية الاجتماعية

في تقييم موقف انطون سعاده من اليهودية والصهيونية، يعتمد بعض القوميون الإجتماعيون بشكل اساسي على رسالة وجهها سعادة للقوميين في صدد وضع فلسطين في نشرين الثاني 1947 وقال فيها ” ليس من سوري إلا وهو مسلم لرب العالمين. فاتقوا الله واتركوا تآويل الحزبيات الدينية العمياء. فقد جمعنا الإسلام: منا من أسلم لله بالإنجيل، ومنا من أسلم لله بالقرآن، ومنا من أسلم لله بالحكمة. قد جمعنا الإسلام وأيّد كوننا أمة واحدة فليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا وحقّنا ووطننا غير اليهود؛ فلنكن أمة واحدة قي قضيتنا الواحدة ونظامنا الواحد.” (الشمس، العدد 301، 12/11/1947) ويعتبرونها بمثابة ‘المبدأ الاساسي التاسع‘. هؤلاء إجمالا لم يدرسوا رؤية سعاده بشكل شمولي فلم يعطوا الاهمية ذاتها لكتابات ومقالات وخطب اخرى ولم يميزوا بين ما هو اساسي ومبدئي وبين ما هو حربي وتعبوي ولم يربطوا بالضرورة بين هذه الكتابات والخطابات وبين المكان والظروف الزمنية التي كتبت او ألقيت فيها.
سعاده والوطن القومي اليهودي
في بداية وعيه السياسي في 1921 ولم يكن قد تجاور السابع عشر من عمره بعد، حذر سعاده في مقال بعنوان “السوريون والاستقلال” (الجريدة، سان باولو، العدد 47، 1/10/1921) بان “احدى هذه الويلات الآخذة في الحلول في الاراضي السورية (…) هي الصهيونية (…) وتعمل يدا واحدة لغاية واحدة وهي الاستيلاء على فلسطين وطرد سكانها السوريين منها ولو كان الصهيونيون وحدهم القائمين بهذا المشروع الخطير لهان الأمر، ولكن يعضدهم في مشروعهم هذا أعظم دولة بحرية وجدت على وجه البسيطة (بريطانيا)”. في العام 1925 وبعد ان نضجت معرفته بالحركة الصهيونية القى محاضرة في سان باولو- البرازيل بعنوان “القضية الوطنية: الصهيونية وامتدادها”، (نشرتها مجلة «المجلة»، 1/2/1925) شرح فيها بان “الباعث على الحركة الصهيونية في الدرجة الأولى أفكار جماعة تريد أن تُوجِد من يهود العالم المُختلفي النزعات والمشارب، والمُتبايني الأخلاق والعادات، أمة إسرائيلية. ومع أن هذه العملية غير طبيعية فإن انتشارها بين اليهود المضطهدين جعل لها صفة إمكانية الحدوث. يوضح سعادة بعد ذلك بان هذا الطرح لا يُجمع عليه كل اليهود فيوجد “فريق من اليهود الراقين يفهم العلل وأسبابها، ويعرف عقم دعوة الصهيونيين، ويحاربها من أجل اليهود كما من أجل الإنسانية جمعاء. وقد اشتهر من هذا الفريق مورغنثو (سفير الولايات المتحدة السابق في تركية)، (…) وله في هذا المجال حملات صادقة أثبت فيها فساد الحركة الصهيونية من وجوه كثيرة. ولكن لا يمكننا أن ننتظر من هذا الفريق أن يشهر حرباً على الصهيونية، فذلك ليس من شأنه”. في ختام محاضرته، يطلق سعادة تحذيره الرؤيوي للامة السورية بانه “رغماً من كل ما تقدم، ومن أن الحركة الصهيونية غير دائرة على محور طبيعي، تقدمت هذه الحركة تقدماً لا يستهان به. فإجراءاتها سائرة على خطة نظامية دقيقة، وإذا لم تقم في وجهها خطة نظامية أخرى معاكسة لها كان نصيبها النجاح.”
الخطة النظامية المعاكسة أطلقها سعاده في تأسيسه الحزب السوري القومي (الاجتماعي) في 1932 وحدد أحد اهم اعمدتها في المبدأ الاساسي الرابع الذي رفض فيه الهجرة اليهودية الى جنوب الامة السورية لان الامة لن تستطيع هضمها، وذلك لعدم اندماجها تاريخيا بالمجتمعات التي وجدت فيها ولسعيها الى طرد سكان سوريا الجنوبية من غير اليهود من ارضهم واقامة وطن قومي يهودي صرف، منعزل عن محيطه الطبيعي. هذا هو الاساس الذي انطلق منه سعادة في فكره القومي المجتمعي ودعم هذا الموقف في عدة مقالات وخطابات:
في 1937 يعلن عدم اعتراضه على مجلس يعنى بشؤون اليهود الملية على ان لا يتحول الى “مجلس اسرائيلي قومي” مرتبط بالوكالة اليهودية في فلسطين في قوله:
“لا يوجد لبناني يريد أن يعترض على شؤون اليهود المليّة وأحوال معتقداتهم الخاصة. فإذا كان اليهود يريدون حقيقة غرضاً ملياً بحتاً، فلا وجه لإيجاد صباغ قومي لهذا الغرض. ولكن لا يوجد لبناني واحد يقبل أن يجري تساهل في أمر نشوء قوميات غريبة في لبنان. (…) يمكن اليهود أن ينشئوا مجلساً ملّياً أو طائفياً آخر. أما طلب إنشاء مجلس قومي لليهود في لبنان فتجاوزٌ لا تقبل له الكرامة اللبنانية” (النهضة، العدد 14، 29/10/1937).
في 1941 يؤكد على قومية المعركة وليس ‘دينيتها‘في قوله:
“المسألة الفلسطينية ليست مسألة إسلام ويهود، بل مسألة قومية من الطراز الأول”.( الزوبعة، بوينُس آيرس، العدد 26، 15/8/1941).
بالرغم من ان الزعيم لا يساوي بين الاسلام والمسيحية من جهة وبين اليهودية من جهة اخرى لان “الخير العام” في الاخيرة لا يشمل جميع الامم، فهو لا يظهر عداء لها كديانة في مقاله “بين الهوس والتدين” في 1941:
“في اليهودية والمسيحية على السواء فرض عمل الخير وتجنّب الشر، وخلود النفس، والثواب، والعقاب. ولكن المسيحية واليهودية اختلفتا في الخير العام، فجعله اليهود مقتصراً على بني إسرائيل، وأطلقته المسيحية ليشمل جميع الأمم”. (الزوبعة، بوينُس آيرس، العدد 28، 15/9/1941).
في رسالة “الالهام الإلهي للروح” (Divine Afflante Spirita) للبابا بيوس الثاني عشر في أيلول 1943 دعى الى ترجمة التوراة الى اللغات العامية وحرض الأساقفة على “تـحبيذ ومساعدة تلك الـجمعيات التقِية التي ترغب في نشر طبعات التوراة بين الـمؤمنين”. هذه الرسالة اعتبرها أنطون سعادة أخطر تعديل في الموقف البابوي لان “تقديس” التوراة ومراميها اليهودية (…) هو من أهم “موجبات” العطف على اليهود ومطامعهم في سورية عند الشعوب البروتستانتية. ومع أننا نعلم أنّ “العطف” الذي تبديه بعض الدول الكبرى لمآرب لليهود هو ذو مصدر سياسي بحت فلا يمكننا أن نجهل أو نتجاهل أنّ تعميم ذاك العطف في شعوب الدول المذكورة يجد في “تقديس” التأويلات اليهودية لوجود الله وعمله وحكمته تسهيلاً كبيراً وإقبالاً واسعاً. ومما لا شك فيه ان اعتماد الكاثوليك “تقديس” صوت إسرائيل وبنيه وتقديس لعنة جميع الأمم سيفتح مجالاً جديداً للشفقة على “شعب الله المختار”، ويوجد تأييداً له في محاولته الجديدة للاستيلاء على بلاد السوريين التي “وعده يهوه” أن يعطيه إياها ملكاً خاصًّا به على تعاقب أجياله.” (الزوبعة، بوينس آيرس، العدد 80، 4/9/1944)
في 1947 أنب جريدة سورية الجديدة الناطقة باسم الحزب لاهتمامها بمحاربة اليهود في العالم خدمة لمصالح المانيا النازية وايطاليا الفاشية ولعدم اكتراثها لمحاربة الصهيونية ومطامع اليهود في سورية فيقول:
“لكن جريدة سورية الجديدة بقيت في شذوذها، وصارت تهتم بنشر صور الجيوش الألمانية وقوادها، وزعيمي المانيا وايطاليا، أكثر من اهتمامها بنشر صور الحركة السورية القومية الاجتماعية. وظهر اهتمام الجريدة بمحاربة اليهود في العالم وإظهار عيوب السياسة الأميركانية والسياسة البريطانية، وقلة إكتراثها بالمواضيع السورية البحتة، وسياسة الحركة السورية القومية الاجتماعية التي تقول بمحاربة الصهيونية ومطامع اليهود في سورية، ولا يهمها بعد ذلك أن تحارب اليهود من اجل مصالح الحركة الألمانية الاشتراكية القومية، أو من اجل مصلحة الحركة الإيطالية الفاشية وما لها من أغراض سياسية لا تتفق مع أغراض الحركة السورية القومية الاحتماعية” (الزوبعة، بوينس آيرس، العدد 88، 20/1/1947).
في حزيران 1949 أكد سعادة ان الدولة اليهودية لم تنشا بسبب العبقرية اليهودية، بل “بفضل التفسّخ الروحي الذي اجتاح الأمة السورية ومزّق قواها، وبعثر حماسها، وضربها بعضها ببعض” وعاد واكد ان وراء هذه الدولة الجديدة مطامع دول اجنبية كبيرة تعمل وتساعد وتبذل المال وتمد هذه الدولة بالأساطيل والأسلحة لتثبت وجودها فالامر ليس فقط مع تلك الدولة اليهودية المصطنعة، إنه مع الدولة الجديدة ومع دول عظمة وراء الدولة الجديدة (خطاب سعادة في برج البراجنة في 31/5/1949). هذا يدل على ان سعادة لم يكن يؤمن بما كان يروج له من قوة اليهود الخارقة وعبقريتهم وبرتوكولات حكماء صهيون وما شابه، كما استنتج الباحث صقر أبو فخر في احدى محاضراته.
يمكن الاستنتاج ان سعاده لم يُعاد اليهودية كدين فوصفها بانها تدعو الى الخير العام لكن لبني اسرائيل فقط وليس لجميع الأمم، بل عاد استعمالها وتحويلها الى قومية، تعتبر ان فلسطين هي الوطن القومي الذي ستمارس فيه معتقداتها وأفكارها. لذلك لم يغفل سعاده أهمية وخطورة الوعد الإلهي من الفرات الى النيل في التوراة وحذر من جمع التوراة والانجيل في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد عند الطوائف المسيحية وما قد ينتج عنه من عطف وتأييد ’ لشعب إسرائيل ‘في الاستيلاء على الارض التي “وعده يهوه” بها. هذا، من ناحية أخرى، لم يجعله يعادي كل الذين يومنون بالوعد الإلهي في العالم، بل عاد الذين يترجمون هذا الوعد الى مشروع قومي سياسي فدعى الى قتال من يقاتلنا في “ديننا وحقّنا ووطننا” واستثنى “اليهود الراقين” الذين يعرفون “عقم دعوة الصهيونيين” وأعلن ان الصراع على فلسطين ليس بين يهود ومسلمين، بل مسالة قومية في الصميم وان شؤون اليهود الملية لا تعنيه وأنب جريدة سورية الجديدة لمحاربتها اليهود من اجل مصالح المانيا النازية او ايطاليا الفاشية.
ان سعادة سواء استعمل كلمة يهود/يهودية او صهاينة/صهيونية، هدفه وهمه القومي كان الدفاع عن فلسطين والأمة السوؤية ضد القومية اليهودية الناشئة وحركتها الصهيونية ولم يتطرق الى مسائل دينية يهودية او تلمودية الا بمدى ارتباطها بهذه المسالة. حسب الباحث والكاتب القومي بدر الحاج قي مقابلة مع الصحافي جاد غصن على اليوتيوب في آذار 2023، فان استعمال كلمة يهود وليس صهاينة في الكثير من خطابات سعاده يعود الى ان عبارة ’ اليهودية ‘كانت تستعمل بشكل واسع وعبارة ’ صهيونية‘ لم تكن معروفة ومتداولة كثيرا قبل 1948 من قبل كل الزعماء العرب. من الممكن أيضا حسب رأيي انه رأى الفوائد التعبوية من استعمال كلمة ’ يهود ‘ولم يرى اي ضرورة قومية للفصل بين اليهود والحركة السياسية التي اصبحت تمثل معظمهم بعد العقد الثالث من القرن الماضي.
الصراع الوجودي واليهودية والصهيونية
اليوم وبعد حدوث متغيرات كبيرة في العالم وتعاظم دور الثقافة والاعلام في الصراعات، ما زالت اعداؤنا يسيرون على خطة نظامية دقيقة تتأقلم مع هذه المتغيرات وتستخدمها لصالحها لسلب ارضنا من الفرات الى النيل والسيطرة على مواردنا. الوقائع التي يجب اخذها بعين الاعتبار هي:
لا شك ان الصهيونية تعتمد في جذورها على الوعد الالهي لليهود في التوراة وتفسيره بشكل حرفي وهذا يجعل معظم اليهود في العالم اليوم يؤيدون دولة يهودية في فلسطين. من ناحية اخرى، هذا لا يجب ان يجعلنا نغض النظر عن تفسيرات وتأويلات يهودية اخرى للوعد الالهي لا تتوافق مع التفسير الصهيوني وكانت سائدة بين اليهود لالفي سنة تقريبا قبل بداية القرن العشرين وتاسيس الحركة الصهيونية. ان حركة “ناطوري كارتا” مثلا التي يقدر عددها اليوم بين 500 و800 ألف تعتبر ان اي مساع من صنع الانسان لإقامة دولة يهودية هي معادية لمشيئة الرب، و”المسيح” المنتظر فقط يستطيع ان يقيم هكذا دولة.
ان الحركة الصهيونية ليست الحركة الاولى التي تستعمل الدين للوصول الى غايات استعمارية معينة وما الوهابية في الاسلام وإنتقائها لآيات قرآنية دون سواها لأثبات عقيدتها الا خير دليل على ذلك. ان وجود نص ديني يربط بين الاديان والحركات السياسية لا يعني بالضرورة اختصار هذه الديانة بالحركة السياسية التي تستمد جذورها منها ففي كل الاديان هناك عدة تفسيرات وتأويلات وانتقاءات لخدمة اهداف سياسية معينة. كذلك فهذا الدمج لا يعطي اي قيمة اضافية لمحاربة ومكافحة هذه الحركات، بل يساهم في اعطائها بعض الشرعية والحصانة والحماية.
الحركة الصهيونية اليهودية ليست الوحيدة التي تؤمن بالتفسير الحرفي للوعد الإلهي، بل هناك طوائف المسيحيين الانجيليين الصهاينة الذين يقدر عددهم اليوم في اميركا بأكثر من 30 مليون ويؤمنون ب “حق” اليهود بدولة صافية العرق في فلسطين وطرد الفلسطينيين منها ويعتبرون سيطرة اليهود على فلسطين وتشييد الهيكل شرط مسبق لرجوع المسيح وإقامة مملكته الألفية. الجدير بالذكر ان المسيحيين الصهاينة الأوائل في بريطانيا كانوا اول من أطلق الدعوات منذ 1600 لانشاء وطن قومي يهودي في فلسطين ولعبوا دورا كبيرا في اقناع السلطات البريطانية في أواخر القرن التاسع عشر في تبني فكرة الوطن اليهودي وذلك قبل تأسيس هرتزل لحركته الصهيونية. ان إطلاق تعبير “العدو اليهودي” على اعدائنا اليوم لم يعد صالحا ودقيقا فهو لا يشمل هذه المجموعة المهمة المعادية لنا والتي كان وما زال لها وزن كبير في السياسة الاميركية.
هناك عدة منظمات وشخصيات يهودية فكرية وازنة معادية لإسرائيل ولو بدرجات متفاوتة وتدعم المسالة الفلسطينية وتشارك بحملات مقاطعة اسرائيل. لن نوهم أنفسنا ان هذه المنظمات والافراد يشكلون نسبة كبيرة من اليهود اليوم (مع انهم في تنامي مستمر وخاصة بعد الحرب على غزة) لكن الذي يعنينا اليوم من هذه المواقف هو عدم دفع هذه المنظمات والافراد الى التقرب من الصهيونية باطلاق شعارات توحي بعدائنا لجميع اليهود.
ان الاجيال الجديدة المثقفة في امتنا ترفض العنصرية بكل اشكالها وعندما نستعمل مصطلحات كالعدو اليهودي اليوم فهذا يدل بنظرهم على عدائنا لكل اليهود وليس فقط للذين يقاتلوننا لسلب ارضنا. ان هذا يحد من وصول صوتنا لشعبنا ويشوه نظرتنا القومية المجتمعية المبنية على إنصهار وتفاعل كل الطوائف والاعراق في البيئة الجغرافية الواحدة وترفض التقوقع والانعزال لاي عرق او طائفة مهما كانت معتقداتها. كذلك فان اعدائنا الداخليين يستغلون خطابنا لتشويه فكرنا وربطه بالحركات القومية العنصرية كالنازية والفاشية المعادية لليهود في اوروبا.
المنظمات والحركات الموالية لإسرائيل في العالم وخاصة في اميركا الشمالية وأوروبا تسعى وتعمل في كل المجالات الإعلامية الى القاء اللوم على الضحية وعلى تصوير شعبنا بالمعتدي والادعاء بأنهم يدافعون عن أنفسهم. من الأساليب التي يستعملونها هي اتهامنا بمعاداة اليهود فقط بسبب ديانتهم وليس بسبب الاحتلال الاستيطاني وتشريد وقتل الشعب الفلسطيني. ان استعمال تعابير معادية لليهود كدين في المغتربات تضعنا في موقع الدفاع عن النفس لصد الاتهامات بكره اليهود والعداء للسامية بينما استعمال كلمة الصهيونية والاحتلال الاستيطاني ودولة الابارتيد (الفصل العنصري) يُصوِب البوصلة ويُظهر من هم العنصريون الحقيقيون السالبون لأرضنا ومن هم اصحاب الحق.
الخطة النظامية المعاكسة
ان ميدان المواجهة مع الصهيونية اليوم لا تقتصر على امتنا فحسب، بل مداها العالم كله ولا يقتصر على اساليب الصراع السياسية والعسكرية والاقتصادية التقليدية، بل يتعداها الى اساليب تتعامل مع التطور التكنولوجي وغيره لحشد التاييد العالمي ومقاطعة الدولة العنصرية. ان هذا يتطلب خطة معاكسة لا تقع في الافخاخ التي يرسمها لنا الأعداء.
بناء على ما تقدم أقترح وأدعو الحزب السوري القومي الاجتماعي ان يبني خطته النظامية الثقافية المعاكسة لمواجهة الصهيونية (اليهودية وغير اليهودية) بازالة اي تشويش يحاول ان يربط بين فكر سعاده القومي الاجتماعي الجامع وبين ’ الفكر ‘القومي العنصري. ان ما كُرس من مفاهيم في فترة الرئاسة الأولى لم يعد صالحا اليوم والتمييز بين اليهودية والصهيونية اصبح ضرورة عقائدية لتـأكيد القومية على أساس المجتمع الواحد، الجامع لكل من يريد الاندماج فيه والتفاعل معه افقيا وعاموديا في دورة الحياة الاقتصادية والاجتماعية الواحدة من كل الاجناس والاعراق والطوائف، والرافض لكل من يريد الانعزال والتقوقع والانفصال عنه، مهما كانت ملته او معتقده، وأيضا لتأكيد قومية الصراع في فلسطين بين القومية السورية الجامعة والصهيونية (القومية اليهودية) المنغلقة وليس بين الاسلام المحمدي والمسيحي وبين اليهودية. بذلك يصل صوتنا لشعبنا بدون تشويش ونُزيل اي سوء فهم لعقيدة الحزب وخاصة بين الاجيال الصاعدة.
كذلك فمن الناحية العملية البراغماتيكيةـ لا يكون الدفاع عن أنفسنا ومواجهة الاستيطان والاحتلال وتهجير وقتل شعبنا بالعواطف والشعارات الرنانة، بل بخطة متنورة، أساسها الحقيقة والمعرفة والتأقلم مع المتغيرات لخدمة المصلحة القومية وشرعها العقل والحكمة وتُخاض على كل الصعد الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإعلامية وغيرها وفي كل الساحات في الوطن وعبر الحدود. ان التمييز بين اليهودية والصهيونية هو احدى اهم أعمدة هذه الخطة خارجيا فهي تسهل لنا شرح طبيعة واهداف الصهيونية بوضوح وتمنع وقوعنا في افخاخ اتهامات “كره اليهود” او “اللاسامية” لإسكاتنا وكسب العطف والتأييد لهم. ان هذا التمييز يساعد على فهم طبيعة الصراع الحقيقية وعلى كسب تاييد الشعوب الصديقة وانشاء التحالفات والصداقات التي تدعم قضيتنا.

تورنتو، كندا
14 حزيران 2024