ماذا تبقى من العقيدة الامنية للاحتلال

في بدايات السعي اليهودي لتنفيذ المشروع الاستيطاني في فلسطين و لاستجلاب المهاجرين اليهود اليها، تم اعتماد حكاية ارض الميعاد وخرافة الوعد الالهي لشعب الله المختار، و هو ما ساهمت به الكنائس المتجددة و التي تؤمن ان عودة اليهود الى فلسطين هي شرط من شروط العودة الثانية للمسيح المخلص، ولكن كل ذلك لم يكن كافيا الا لإقناع اعداد قليله من اليهود الفقراء، اما اليهود العلمانيين والاثرياء الذين قادوا المشروع و اقاموا الدولة لاحقا ومن المتأثرين بالأفكار التي كانت سائدة في زمن ما قبل الحرب العالمية الاولى وخاصه الافكار الاشتراكية و العمالية فان ما كان قادرا على اقناعهم بالفكرة وحشدهم من ورائها، كان شعورهم الخوف و القلق و بانعدام الامن وبالخطر الذي يتهددهم في مجتمعاتهم الرافضة لهم، و التي بلغت ذروتها مع وصول الحزب النازي للحكم في المانيا عام 1933، لذلك اعتقدوا انهم سيجدون الامان في اقامه دوله خاصه بهم، وان هذه الدولة يجب ان تكون قويه و مدججه بالسلاح والتوحش و العدوانية، محظور عليها ان تهزم، فالهزيمة الاولى ستكون هي هزيمتها الأخيرة و على قاعدة العدو من امامهم والبحر من ورائهم.

كانت هذه دوافع ومنطلقات قادة العمل اليهودي (اسرائيل لاحقا) في صياغة عقيدة امنية تقوم على أربعة ركائز الركيزة الاولى هي ردع الاعداء من خلال دموية الفعل (الاسرائيلي) والميليشيات اليهودية ثم الجيش اثر اعلان الدولة وعلى ارتكاب المذابح وشن الحروب الاستباقية و الركيزة الثانية هي في القدرة على الانذار المبكر اعتمادا على مؤسسات امنية كفؤة و يقظة، و الركيزة الثالثة هي في الدفاع الدائم وان كان بأسلوب الهجوم والركيزة الرابعة هي في تحقيق الانتصارات في زمن محدود وقصير.
وفي مراجعة لركائز عقيدة الامن القومي هذه بعد حرب تشرين الثانية، نرى ان الركيزة الاولى قد سقطت بجدارة، فقبيل السابع من تشرين الاول كان (الاسرائيلي) يمتلئ ثقة بانه قد استطاع تحقيق الردع تجاه غزة ومقاومتها وكان يرى ان حركه حماس قد تخاذلت عن الدخول في المعركة التي سبقت حرب تشرين الثانية بفترة قصيرة وتركت حليفتها الأساسية- حركة الجهاد الاسلامي وحيدة في الميدان تقاتل وحدها، وان هذا التخاذل بتقدير (الاسرائيليين) دليل على ان حركة حماس قد ارهقتها الحرب و ردعتها و لم تعد راغبة في الاشتباك او القتال، وانما الهدوء و المحافظة على بقائها فعينها تنظر على المنحة القطرية و الحقيبة التي يأتي بها السفير العمادي شهريا، وعلى اصدار تصاريح عمل لأبناء غزة ليعملوا في الداخل (الاسرائيلي)، وعلى ادخال الوقود والمواد الغذائية، ولذلك فان (الاسرائيلي) يملك كفاية من الوقت و يستطيع التفرغ لتنفيذ مشروعه بالضفة الغربية، و لم يقتصر هذا الشعور الزائف على (الاسرائيلي) و انما شمل الإدارة الأمريكية ايضا، فقد صرح جاك سوليفان مستشار الامن القومي في البيت الابيض في مطلع تشرين اول ان الوضع في الشرق الاوسط مستقر و لا قلق ات من هناك، وانه لم يعد يحتاج الى وقت طويل لمتابعته.

الركيزة الثانية هي في الانذار المبكر وقدره الأجهزة المخابراتية على سماع دبيب النمل، ولكنها لم تستطع الحصول على ادنى معلومة عن استعدادات المقاومة لذلك اليوم الحاسم، واصيبت بالذهول صبيحة السابع من تشرين اول علما بانها كانت تزعم بانها تملك افضل انظمة التجسس و المراقبة وان برنامج التنصت الافضل في العالم هو المعروف باسم بيجاسوس (الاسرائيلي) الصناعة، والذي كانت تتسابق دول العالم على حجز دور لها لشرائه ولكن هذا البرنامج اثبت فشل وفشل قدره الأجهزة المخابراتية على تقديم الانذارات المبكرة.
الركيزة الثالثة هي الدفاع الدائم فلم تستطع الدولة ولا جيشها تحقيق الاهداف المعلنة للحرب وهي القضاء على المقاومة وإطلاق سراح الاسرى الذين تم اسرهم في ساعات المعركة الاولى وتحتجزهم المقاومة لديها، واعادة تشكيل قطاع غزة بما يضمن الهدوء التام لغلاف غزة وسكان المستوطنات هناك. وكان من الطبيعي ان يستطيع الجيش احتلال القطاع بالكامل، ولكنه لم يستطع الاستقرار او تحقيق اي انتصار على المقاومة التي لا زالت تمارس دورها في القتال على كل سنتيمتر من ارض غزة ولا زالت صواريخها تنطلق حتى من شمال القطاع.
الركيزة الرابعة ان (اسرائيل) لم تستطع تحقيق اي انتصار عسكري حتى الان وانما سلسلة من الاخفاقات، وها هي الحرب تطول وتطول ويستنفذ الجيش قدراته القتالية والمعنوية والمجتمع امكانياته وتماسكه الداخلي، و الحرب قد دخلت في شهرها الثامن ولا تبدو لها نهاية قريبة، فقد ولى زمن الانتصارات السريعة و البطيئة على حد سواء.
فهل استطاعت هذه الدولة تحقيق الامن والامان لليهودي ام انها اصبحت اليوم المكان الاكثر خطرا على اليهود في العالم باسره، في الجواب على التساؤل ما يفيد بأن المشروع برمته آخذ بالتحلل والتفكك و في طريقه للزوال.

جنين- فلسطين المحتلة