بعد حوالي القرن على إطلاقه منهجيته لحياة جديدة في هذا المشرق اخذ فكر انطون سعاده يسترد بعض القه اذ يحظى بإعادة مراجعة من قبل اهل الثقافة والعلم ممن ناهضوه او اختاروا منهج آخر. مجموعة من العوامل تضمنها فكره دعت اولئك إلى مراجعتهم جراء الاخفاقات التي حدثت طيلة قرن ان بخصوص وقف الهجمة الاستعمارية وداعميها المحليين او المالات في بناء الدولة وتوحيد المجتمع على اساس قومي متين.
لو استعرضنا المسيرة برمتها للمجتمع المشرقي بعد افول السلطنة لوجدنا تخبط في شتى أنواع الحقول من الهوية التي تنسجها الارض بتفاعل الانسان معها او لركائز المجتمع الموحد الاتجاه والمصير، اذ لم تنفع الركائز التي كانت عدة شغل الشاغلين بالشأن العام من روحيين وماديين ذوي الاتجاه الاحادي. او حتى اولئك الذين ظنوا انهم بخدمتهم لقوى الخارج يمكن ان يجنوا ثماراً تدر عليهم منافع افتقد لها في حقبات سابقة.
الحياة الجديدة التي دعا اليها سعاده وان كانت حديثة العهد في مجتمع متفسخ متعدد الولاءات ينظر إلى الاخر نظرة العدوان والهلع،كما ويجدها ذات منشأ غربي لجهة الشعور القومي المنتج الحديث الذي صيغ بعد سلسلة مواجهات مع اصحاب النظرة الروحية المشدودة للدين،لم يحظ اصحاب هذه النظرة بالوقت الكافي لإجراء تحليلاتهم وان ما يجري في العالم ليس منفصل تماماً عن بعضه البعض.اذ ان هناك ارتباط عضوي للمشاريع الإنسانية او حتى البربرية منها لأن زمن بناء الإمبراطوريات ساد العالم لفترة طويلة من فارس لروما ثم بعد إطلاق الاديان حاول اصحابها الحكم باسم المقدس لغاية سقوط خلافة بني عثمان التي سبقها صراعات أوروبية مذهبية تشبه كثيراً ما يجري اليوم في العالم الإسلامي. وما الاستقرار الذي نشهده اليوم في دول الغرب إلا لتبني هؤلاء المقولة القومية المشدودة لمصالح عليا قوامها الامن والاقتصاد وضرورة التفاعل الجغرافي مع المحيط لضمان الوجود بعيداً عن الحروب التي كان اصحاب النظرة الفاشية يسعرونها للهيمنة والتوسع كما كانت الحال زمن الامبراطوريات. والاختلال الحاصل اليوم يمكن رده إلى المحاولة الاميركية بالعودة لتلك الحقبة.
لم يطلق سعاده فكره اعتباطا، بل قام بإجراء أبحاثه العلمية وتقفى آثار الوجود الإنساني واستعرض النظريات التي حاولت تفسيره المادي والروحي منها، ففندها في كتابه نشؤ الامم وخلص انطلاقاً من الواقع المعاش إلى ضرورة التفقه بها والأخذ بمعطياتها للوصول لنظرة جديدة للحياة والكون تنسجم مع الثقافة التي سادت في مجتمعه فقال بمدرحية الإنسان الجديد والتزامه بالتفاعل الأفقي العامودي فضلا عن عملية التكيف التي تنجيه من المهالك عبر اتخاذه العقل كشرع اعلى.
باعتقادي ان نظرة سعاده للحياة والكون ووصفته لاجتياز معوقات وحدة المجتمع كما ونضال اعضاء المؤسسة التي انشأها اي الحزب السوري القومي الاجتماعي في معترك الصراع الجاري على مساحة الامة التي عينها سورية الهلال الخصيب او سوراقيا كما يحلو للبعض تسميتها كان لها الاثر الأبرز لإعادة قراءته من قبل من ناهضوه او فاتهم ذلك لاعتبارات لا مجال لذكرها الان.