خمسَ عشرةً سنةً انقضت على وقوع المجزرة البربرية بالقوميين الاجتماعيين في حلبا والقضاء اللبناني لا قال كلمته الفاصلةُ بعدُ، ولا لاح ولا يلوح انّه سيصدر عنه حكمُ عدالته بالفاعلين. خمس عشرةَ سنةً وحبلُ السنين على الجرّار وليس ما يشير الى انّ هناك من يخشى أن يعقبَ طولَ الانتظار انفجار.
العارفون، منّا، بحقيقة الشلل في الدولة يأنفون أن ينحوا عليها بلائمة أو بعتبٍ وبغضب. فهي دولة تترنّح بشللها على شفير، لا يلزمها معه الّا قليل من ارتجاج حتى تهوي الى هاوية اعلانها دولةً فاشلة. فيستدعي فشلها وصاية عليها، وصايةً تسعى بها الى ان تكون بدلاً عن ضائع، تسعى بها الى انحلال فزوال. مع هذه الحال اللائحة في افق التوقّعات، لا يرجى من قضاء مثل هذه الدولة عدالةٌ ولا يُعلَّق على مؤسسةٍ فيها رجاء. وعليه، فالعدالة التي تنادي بها دماء شهداء حلبا ودماء غيرهم وسرقة ودائع الناس في مصارف الفساد والبغاء السياسي هي في مكانٍ اَخر. فأين هو هذا المكان ومن يوصل أصحاب الحقوق اليه؟
المجزرة، مجزرة حلبا التي قضى فيها غيلةً أحد عشر قوميّاً هي الجرحُ في وجدان القوميين، في ذاكرتهم لا يندمل مع مرور السنين. فهو من الجراح التي تبقى نازفةً الى ان يجري مع الذين تسبّبوا بها، الحساب، الحساب بالعدل الحقوقي لا بالثأر العشائري. والذين أمعنوا تهاوناً وهواناً، ولغاية اليوم، في القيام بواجب اجراء الحساب مدعوون الى المحاسبة والى كشف كلّ حساب على صلةٍ بالموضوعة. والمراهنون على النسيان مع مرور الزمان مخطئون جدّاً في احتساب ما تحمله لهم ذاكرةُ الذين يحفظون انّ مَنْ ينسى التاريخ لن ينساه حكمُ التاريخ.
ونذكّرُ الغافلين او المتغافلين عن احقاق الحقّ في مثل هذي القضايا، علّ التذكير يدفع الى التفكير وحسن الاحتساب. القوميّون الاجتماعيّون الذين يعرف عنهم الأقربون والأبعدون على حدٍّ سواء أنّ “ميّتهم لا يموت “، القوميّون هؤلاء ما غيّروا في الحقيقة عادتهم. لكنّ بعضُ قادتهم، انقادوا في بعض مراحل تاريخهم الى ما يجافي هذه الحقيقة لا الى ما ينفيها. عنيتُ الحقيقة التي اختصرها باعثُ نهضتهم حين قال: “نحن لا نعتدي على أحد. لكننا لسنا، إذا اعتُدِيَ علينا نعاجاً، بل نحن في الحقّ اسود “. ومن قبلُ ومن بعدُ، على من قصّر أو تعاجز أو تخلّى عن الاقتصاص بالعدل لشهدائه ان يخضع للمحاسبة ، للقصاص بالإقصاء ،لعدم أهليّته بالدفاع عن أهله ،أهل حزبه .بمثل هذا يكون بالذكرى احتفال لا بخطبٍ ممجوجة ،بأقوال ينساها من القاها ، مع نهاية الاحتفال .
انّ غياب العدالة عن ارض قومٍ، عن حزب قومٍ هي دعوة القوم الى ان يغادروا الى حيثُ شمسُ العدالةِ لا تغيب.