طلبة العالم صناع الحرية

كيف تدحرجت كرة الثلج من غزة الى كارولينا، هو السؤال الذي يربك العالم بأسره.
ربما كانت مظلومية غزة حركت تعاطف العالم كله وقد أهتز بفعل عملية “طوفان الأقصى” وطال أمد سفك الدم الى أكثر من نصف عام، وقد يطول الوضع بعد.
جامعة كارولينا الملتصقة بتراث عريق مع رابطة جامعات “ايفي”، والتي يحفظ لتاريخها الفضل الأكبر في إيقاف الحرب الأميركية على فيتنام، الحرب التي تركت تداعيات لم تزل واضحة على المجتمع الأميركي.
وهي الجامعة التي مرّ على رئاستها ايزنهاور قبل توليه مهام الرئاسة الأميركية، كما يعرف عنها انها احتضنت البروفسور أدوار سعيد الذي أشرف على اطروحات العديد من الطلبة الاميركيين والعرب وترك تأثيره الواضح كما يقول البعض.
مئة جامعة تحركت منذ منتصف شهر نيسان في معظم الولايات الأميركية، مقتديه بجامعة كارولينا، في حراك تخطى مرات عديدة اسوار الجامعات من خلال تعطيل الطرق الحيوية المؤدية الى مطار كينيدي في نيويورك وفي فرانسيسكو، احتلال قاعة الكونغرس الرئيسية واكبر محطة قطارات واعتصامات امام تمثال الحرية في نيويورك وكذلك الاعتصام امام بيوت مسؤولي الإدارة الأميركية، من رئيسة مجلس النواب بيلوسي، الى رئيس مجلس الشيوخ تشارلز شومر ومنزل وزير الخارجية بلينكن في واشنطن دون ان ننسى تأخير الاحتفالات بجوائز الاوسكار في هوليوود ومطلقين على رئيس الجمهورية الأميركي هتافات بلقب بايدن “المجرم” .
مطالب هذا الحراك موجهة اولاً ضد ممارسات العدو الاجرامية في حربه على المدنيين في غزة، لذا عمدت الى أطلاق مطالب عملية واضحة، تقتضي من إدارات الجامعات سحب استثماراتها التي تدعم الصناديق الداعمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي ومطالبة بالمقاطعة لكل الشركات الداعمة لخزينة هذا الكيان المحتل
علماً ان بعض المطلعين على طبيعة الحراك، يرون ان جزءاً من خلفياته الدافعة، هو التمرد على الفساد السياسي في أوساط النخبة السياسية الأميركية التي تدعم بقراراتها السياسية مصالح الشركات التي تعنى بصناعة الأسلحة والطيران، أي الشركات التي تستحوذ “دولة إسرائيل” على الحصة الأكبر منها، وكذلك شركات الاعلام والشحن والدرونات والروبوتات ومعظم صناعات الذكاء الاصطناعي وكذلك شركات الدواء والنفط والغاز … هذه الشركات جميعها مملوكة او مرتبطة بالرأسمال اليهودي، وهي لها منافذها على الجامعات الأميركية العريقة من خلال الاستفادة من طلابها.
ما يحصل في هذه الجامعات، يمكن القول انه يتعدى الداخل الأميركي الى الخارج، من خلال المواجهة القائمة اليوم بين عناوين القيم والمفاهيم والنظم التي لطالما تغنت بها اميركا نظرياً وثبت في الممارسة انها واهية او غير موجودة بعد التواطئ الضمني الحاصل بين إدارات الجامعات هذه وهي مقموعة بقانون معاداة السامية، وإدارة السلطات الفيدرالية والكونغرس الأميركي، وما قامت به من إجراءات قمعية بحق طلاب “حراك الجامعات “واعتقالها اكثر من الفي طالب في اكثر من 50، حرم جامعي والى حرمان العديد من الطلاب، استلام شهاداتهم والتخرج ،طبعاً، يتم كل ذلك بتعتيم اعلامي من وسائل الاعلام المرئي والمسموع وقد هزمته وسائل التواصل التي استطاعت اظهار حقيقة ما يجري، وكان هذا كفيلاً بحد ذاته بتحريك جامعات كبرى عديدة في أوروبا وكندا وأستراليا كما ترافق مع اتهامات حكومية “إسرائيلية” طالت هذا الحراك واتهمتهم “بالنازيين الالمان”
وفيما يستمر النزاع على أشده بين السلطات السياسية والطلاب، يستمر الانهماك في مجلس النواب الأميركي لإقرار مشروع “قانون التوعية بمعاداة السامية” ليحول بعدها الى مجلس الشيوخ للنظر فيه ثم تحويله الى رئيس الجمهورية لتوقيعه ونشره.
علما ان هذا القرار يواجه انتقادات شديدة ممن يعتبره يضع قيوداً على حرية التعبير المكفولة بالدستور الأميركي.
ان الإدارة الأميركية المنصاعة لخيار الحرب الإسرائيلية على غزة تواجه ضمنا، حرباً من “مصنع النخبة الجامعية” وهذه النخب المناط بها لاحقاً، تشكيل مواقع القرار في مؤسسات الدولة والمجتمع الأميركي، وكذلك العالم، والسؤال هل ستكون الطريق سالكة امامها؟
يقول الرئيس الأميركي السابق، ريتشارد نيكسون في مستهل ولايته الأولى، عندما تحدث عن قضية الشرق الأوسط، وفي مذكرته الى وزير خارجيته كيسنجر في 23 شباط 1969، “ان مصلحة اميركا هي الدفاع عن الحرية والاستقلال في انحاء العالم”… مضيفا “على الحكومة الإسرائيلية ان تدرك ان مصلحة اميركا، تقضي بذلك وإلا تفقد واشنطن صدقيتها في العالم ويضطر اليهود عندئذ الى اخلاء إسرائيل والعودة الى المانيا”
كلام على الإدارة الأميركية ان تتذكره كما يبدو، وان تترجمه الى وقف تسليح جيش العدو المتهم بارتكاب مجازر الإبادة الجارية للشعب الفلسطيني، وكذلك الى الدعوة لوقف فوري للإبادة الجارية.
وان مسرحيات وقف شحنة من هنا او من هناك او التذرع بعنوان مثل منع اقتحام رفح والاكتفاء بعمليات متقطعة، بزعم الحرص على عدم سقوط ضحايا كثر امر يدعو للسخرية.
لقد استطاع حراك هذه الجامعات الأميركية الأوروبية خلق رأي عام لا يترك الشوارع ولا جامعاته وهو يصرخ “الحرية لفلسطين” داعيا العالم كله الى الاستيقاظ، بعدما أنكشف وجه العدو وزيفه امام العالم وبعد اهتزاز مواقع القرار في الولايات المتحدة والعالم اجمع، تقول مديرة المخابرات الوطنية الأميركية دانيكا هاينز في شهادتها امام الكونغرس “ان الصراع مع غزة هز منطقة الشرق الأوسط وتسبب في تحديات امنية وإنسانية جديدة” وتضيف “هذه التحديات هي التي ستحدد كيفية حل الصراع في الشرق الأوسط لعقود قادمة”.
نعم انه فعل النخبة الطلابية التي قال عنها سعادة في اربعينات القرن الماضي “الطلبة هم نقطة الارتكاز في العمل القومي”
يبدو انهم اليوم أصبحوا نقطة الارتكاز في تغيير العالم.

رئيسة التحرير