دخل العدوان الاسرائيلي على غزة مرحلة جديدة فيما العالم مازال يتفرج على النكبة الجديدة للشعب الفلسطيني الذي لا يكاد ينتفض من تحت غبار حرب تدميرية حتى تعيد “اسرائيل “تدمير ما بناه مرة جديدة، وغزة نموذج صارخ على ارادة الابادة الاسرائيلية التي لا تتوقف.
تروج اوساط سياسية عربية ولبنانية واعلامية لنظرية هدفها تحميل الجانب الفلسطيني وتحديدا حركة “حماس” مسؤولية الخراب الذي حل بغزة تحت شعار الواقعية وتحديد الاسباب، وبغض النظر عن المنهجيات المعتمدة في التحليل فإن ذلك يؤدي بشكل او بآخر الى تبرئة “إسرائيل” ولو بشكل جزئي من مسؤولية الجرائم التي ترتكبها.
الواقع هو غير ذلك تماما، فالحرب المتكررة كل بضع سنوات هي تكملة حتمية للسياسات الاسرائيلية المتمادية في قهر الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية وفي داخل فلسطين المحتلة كلها. فالعالم كله يعرف ان اسرائيل تمارس على الفلسطينيين، وهم أصحاب الارض التاريخيين، التمييز العنصري في النصوص وفي الممارسة تمنعهم من ممارسة حقوقهم الطبيعية في التنقل والعمل والسكن والعمران والتعبير وتمنع عنهم الماء والهواء وتسرق ارزاقهم وتصادر ارضهم وممتلكاتهم وتعتبرهم مواطنين من درجة أدنى، لا سيما بعد اقرار قانون يهودية الدولة، وتسلح المستعمرين المتوحشين وتشجعهم على قتلهم من دون أدنى محاكمة لا سيما ان “دولة اسرائيل “هي الدولة العنصرية الوحيدة المتبقية في العالم بعد انهيار نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
يصر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم على دخول مدينة رفح الملجأ الاخير لأهل غزة المشردين من شمال القطاع ووسطه تحت لهيب الصواريخ والمدافع والطائرات، ولم يستطع العالم كله ان يثنيه عن هذا التهديد الذي لا يتوقف رغم العواقب الانسانية الكارثية التي سيخلفها، فضلا عن التداعيات السياسية المتوقعة. لا يأبه نتنياهو كثيرا بالنداءات الاوروبية، ولا حتى الأميركية. ولا تهديدات بايدن بوقف ارسال القذائف والتي تبدو كمزحة سمجة، ففي عز الوحشية الاسرائيلية وصراخ بايدن المبحوح كانت السفن والطائرات الاميركية تنقل الى “اسرائيل “أعتى الاسلحة الفتاكة التي قتل بها الفلسطينيون ودمر عمرانهم ومؤسساتهم.
اليوم تغير دولة العدو الاسرائيلي استراتيجيتها، ربما لا تشن هجوما واسعا مدمرا على مدينة رفح مع ان نتنياهو يصر على ذلك، لكن في الوقائع ان مخيمات تقام في خان يونس ودير البلح وسط القطاع وفي الشمال، وفي الصور سيارات وطنابر تنقل نازحين من رفح الى مراكز الايواء شمالا. ما يجري هو بداية عودة وايضا تفريغ للمدينة من اللاجئين اليها، وهم الحجة التي تتخذها اميركا لمنع اجتياحها.
دخل الجيش “الاسرائيلي “الى معبر رفح على الحدود مع سيناء وحاصر القطاع حصارا عسكريا وانسانيا تاما. هذا جزء من خطة قضم لرفح قد تعقبها خطوات متتالية تستغرق وقتا طويلا لكنها في النهاية تؤدي الغرض “الاسرائيلي “في تدمير كل القطاع وضرب “حماس” والالتفاف على النداءات الدولية.
الحرب الاسرائيلية على غزة مستمرة، نتنياهو يعرقل كل المساعي الهادفة الى صفقة تبادل تتضمن هدنات مرحلية، بات واضحا تمام الوضوح انه يخوض حرب بقائه في السلطة او في السجن. ليس له مكان آخر، وبقاؤه في السلطة يتم عبر بقاء جيشه في حالة حرب.
يراهن نتنياهو على حليفه الاميركي الذي لن يخذله في نهاية الامر حتى لوضغط عليه لتعديل خططه لا أهدافه، ويراهن أيضا على ان العرب لن يشنوا عليه حربا، ولو شاءوا معاقبته لفعلوا ذلك، هو متيقن بأن هناك من يريد اجتثاث “حماس” أكثر منه، والتطبيع لن يتوقف وان تأخر قليلا.