ســعــاده والــفــنــون الــجــمــيـلــة

ســعــاده والــفــنــون الــجــمــيـلــة

بالرغم من مشاغله الحزبية المتعددة فقد أولى سعادة الفن بشكل عام والفنون الجميلة بشكل خاص اهتماما ملحوظا: فهو أولا، اعتبر الفن ركنا أساسيا في بناء نظرته الشاملة الى الحياة والكون والفن (1) ومن وجهة أخرى رسخ المفاهيم الواضحة لمختلف الفنون الجميلة من خلال ثقافته الواسعة ومطالعاته وأبحاثه، ومتابعاته الدؤوبة لمعظم النشاطات الفنية. مشددا على قدرة الفنان والفيلسوف في تخطيط الحياة الجديدة للأمة: ف الفنان المبدع والفيلسوف هما اللذان لهما القدرة على الانفلات من الزمان والمكان وتخطيط حياة جديدة، ورسم مثل عليا بديعة لامة بأسره (2)
تأسست نظرة سعادة الى الفن من ضمن فلسفته الشاملة، من ايمانه المطلق بان الامة السورية هي امة فن وخلق، فيها قوة التسلط على ما يقدمه الكون، فتستخدمه في فنّها للسمو والجمال والخير. من هنا قوله: نحن سلبيون في الحياة: ” نحن بنظرنا سلبيون في الحياة، أي أنّنا لا نقبل بكلّ أمر مفعول يفرض، وبكلّ حالة تقرّر لنا من الخارج ” (3). وقد تجسّدت هذه النظرة في النهضة القومية الاجتماعيةــ جوهر الأمة في الخلق والإبداع والإنتاج والتفوّق وبلوغ الغاية العظمى وآيات الخلود للأمة السورية (4).
إنّ ثقافة سعاده الفنية الملتزمة بقضية الأمة ورسالتها الإنسانية، تجدّ أساسها العملي في اتقانه لغات متعدّدة، ومواكبته الشخصية للنشاطات الفنية وفي مقدمتها الموسيقى والغناء والرقص والرسم، إضافة إلى الأدب والشعر. وفيما يأتي لمحة موجزة عن أبرز الفنون الجميلة، التي تشكّل المنطلقات أو الأسس في نظرة سعاده إلى الفنّون الجميلة:
أولا: في الموسيقى
يقول المؤلف الموسيقي د. وليد غلميه، الذي أهدى سمفونيته السادسة “سمفونية الفجر” إلى روح أنطون سعاده، في الذكرى المئوية لولادته (1904-2004)، يقول: “أنا مقتنع تماما أنّنا في هذه البقعة من العالم، في أشدّ الحاجة إلى الثقافة والمعرفة. لقد جمعني بـ أنطون سعاده فكره النير ورؤيته المستقبلية، وثقافته الواسعة، ودعوته السوريين من الباب الثقافي المعرفي. عدا على أنّه كان من روّاد الاستيعاب الموسيقي العظيم. الإنسان بدون موسيقى، وفق سعاده، هو إنسان ناقص، ومن الممكن إيجاده أينما كان. إنّ أنطون سعاده هو الوحيد الذي حكى عن موضوع الموسيقى، وكتب عن الموسيقى. يضيف غلميه:
إنّ “سيمفونية الفجر”، قد استلزمت مني نحو الأربعة أشهر، قبل كتابتها، بعدما تعمّقت في قراءة فكر أنطون سعاده. وعندما أهديت السمفونية السادسة إلى أنطون سعاده، ساهمت في تأكيد كونه فجر الانطلاق.. والفجر الثقافي “.
عندما كتب سعاده عن عباقرة الموسيقيين الكبار أمثال “بيتهوفن وباخ وموسرفسكي وويبر وبروكنر وتشايكوفسكي وبردين ورمسكيو
مشدّدا على قدرة الفنان والفيلسوف في تخطيط الحياة الجديدة للأمة: فــ “الفنّان المبدع والفيلسوف هما اللّذان لهما القدرة على الانفلات من الزمان والمكان، وتخطيط حياة جديدة، ورسم مثل عليا بديعة لأمّة بأسره” (2)..
تأسست نظرة سعاده إلى الفنّ، من ضمن فلسفته الشاملة، من إيمانه المطلق بأنّ الأمة السورية هي أمة فنّ وخلق، فيها قوّة التسلّط على ما
وستراوسكي وشوفين وبرليوز وسباليوس ودورياك وشوبرت وغيرهم…” (5)، لم يكن له الأمر مجرّد الاطلاع من أجل تعداد أسماء هؤلاء الموسيقيين للمعرفة فقط، “فالمعرفة التي لا تنفع جهالة لا تضر، وكلاهما مضر بالمجتمع”، فـ سعاده رفض منذ البداية التكلم المبعثر على المدارس الفكرية المختلفة من علمية وفنية وفلسفية، وعلى طروحات المفكرين المتعددة، وطالب أن يكون لن رأي صريح وموقف واضح من هؤلاء، ليصحّ أن يكون لنا نهضة، وأهداف واضحة في الحياة (6).
خلاصة نظرية سعاده العصرية الراقية في الموسيقى
إنّ أنطون سعاده هو الوحيد الذي حكى عن موضوع الموسيقى، وكتب عنها، فإلى أي مدى يصحّ ما ذهب إليه غلميه من تأكيده لهذه الشهادة بـ سعاده؟
في العودة إلى تراثنا الموسيقي العريق، فإنّ أقدم اللوحات الأثرية النادرة التي تتضمّن موضوعا موسيقيا هي اللوحة السومرية المسمارية السورية، التي ورد فيها، ما ترجمته: “تملأ ساحة الهيكل بالسرور، وتنفي الهمّ من المدينة، تسكن القلب، وتهدئ العواطف، وتمسح الدمع من العيون” (7). أمّا في اللغة العربية فأروعها المقال الذي نشره جبران خليل جبران عام 1905 في نيويورك، وصدر بعد ذلك في كتيب صغير، تحت عنوان “الموسيقى”، وبالرغم من نزعته الإبداعية في الوصف والتشبيه، كما يقول مخايل نعيمه، إلا أنّ المقال، في الوقت نفسه، لا يكسبك شيئا كنت تجهله من علم الموسيقى وفلسفتها (8).
أمّا نظرية سعاده في الموسيقى فهي تنبثق من فلسفته الشاملة – نظرته إلى الحياة والكون والفنّ، ومن هنا يتماهى مع ما قاله وليد غلميه مع مخايل نعيمه؛ فــ سعاده في نظريته العصرية الراقية في الموسيقى يكسبك ما كنت تجهله في علم الموسيقى وفلسفتها. بهذا المعنى يكون ” أنطون سعاده هو الوحيد الذي حكى عن موضوع الموسيقى، وكتب عنها”، وذلك من منطلق فلسفي – علمي ملتزم بنظرته إلى الحياة والكون والفنّ وقد لخّص ذلك في: درس خاص شرح فيه خلاصة نظريته العصرية الراقية في الموسيقى وأغراضها (9)، وذلك على لسان صديقه الفنان سليم الذي هو في الواقع شقيقه المبدع في الموسيقى. أمّا أبرز العناوين التي تضمنها هذا الدرس، فهي الآتية: صفات المؤلف الموسيقي، تحديد الموسيقى، التمييز بين الأساليب الشرقية والغربية، التعبير عن وحدة العواطف والتصورات والأفكار الإنسانية التي عبّر عنها كبار الموسيقيين، لا تفضيل بين أنواع الموسيقى، الموسيقى ترتقي بارتقاء النفسيات والعقليات، المطلوب موسيقى تغذي كلّ عواطفنا وتصوراتنا وتظهر قوّة نفسيتنا وجمالها، ونظرتنا إلى الحياة والكون والفن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *