لا شكّ أنّ حكومة الاحتلال كانت تدرك تمامًا عواقب عمليتها الأخيرة في دمشق وأنّها من النوع الذي لن يمرّ كما كانت تمرّ التعدّيات “الإسرائيلية” السابقة على إيران في الأرض السورية. فـ”إسرائيل” لها خطّة شبه معلنة تريد بها أن تستدرج أطراف محور المقاومة لحرب مفتوحة تتورّط بها واشنطن خاصّة والغرب عامّة، وحيث أنّ واشنطن لا تريد ذلك ولديها ما يكفي من الهموم في أوكرانيا وبحر الصين، فإنّها تحول دون أن تكون إسرائيل هي المبادرة في شنّ الحرب.
لكنّ تغريدة المرشد الخامنئي والتي كتبت باللغة العبريّة يتوعّد فيها دولة الاحتلال وبأنّها ستكون نادمة على فعلتها، أدخلت المجتمع “الإسرائيلي” في حالة من الهلع ترقّبًا للرد الإيراني، ففرغت رفوف محلّات البقالة من المواد الغذائية ومحطّات الوقود من الوقود وتوجّه الناس للبنوك لسحب أموال سائلة تكون ما بين أيديهم إن وقعت الواقعة، وفي حين فشلت الحكومة في تهدئة روع مواطنيها، زاد من رعبهم إعلان الجيش عن استدعاء المزيد من قوّات الاحتياط وخاصّة في سلاح الطيران وبطاريات الدفاع الجوي والتوقّف عن منح إجازات للضباط والجنود.
تضع المؤسسة الأمنية “الإسرائيلية” أكثر من تصوّر لطبيعة الرد الإيراني المنتظر ومكانه وزمانه، وتحاول اتخاذ إجراءات استباقية، منها إخلاء مجموعة من السفارات من موظفيها بما فيها تلك التي تمثّلهم في عواصم التطبيع العربية، وتضع احتمال أن توجّه طهران ضربات بصواريخ باليستية كثيفة، واحتمال ثالث باجتياح بري من الشمال.
المؤشّرات تذهب جميعها باتجاه أنّ الرد الإيراني قد أصبح قريب الحصول، فيما الغضب الشديد لدى النخب الإيرانية يضغط باتجاه تسريعه، وهذه النخب وجّهت انتقادات بعضها علني لسياسة الصبر الاستراتيجي المتّبعة. هذا وإن كان لا أحد يستطيع المجازفة بتحديد موعد الرد أو مكانه أو نوعه ولكن الترجيحات تذهب بأنّه سيكون مؤلمًا ومساويًا لما أحدثه قصف القنصلية الإيرانية في دمشق من ألم لطهران.
وإذا كان الرد الإيراني قادمًا ولا ريب في ذلك، فإنّ ردًّا “إسرائيليًا” على الرد هو أيضًا وارد بقوّة، خاصّة بعد أن سمعت تل ابيب من واشنطن ما يشجّعها لا بل ما يحرّضها، فواشنطن تقول أنّها ستدافع عن “إسرائيل” في هذه الحالة إذا لزم الامر، باستخدام قوّاتها الموجودة في الشرق الأوسط وسوف تساعدها في الهجوم الإسرائيلي المضاد.
يوم الجمعة الماضي، ألقى أمين عام حزب الله خطابًا مهمًّا تحدّث فيه باعتباره يتكلّم باسم محور المقاومة مؤكّدًا على أنّ الرد الإيراني قادم لا ريب فيه، وعلى أنّ هذه المعركة هي معركة وجود، وأنّ لا مجال فيها إلّا للانتصار، وأنّ مفاعيلها بعد النصر المؤكّد وفي اليوم الثاني للحرب ستطال مكاسب الصديق وهزائم العدو الداخلي والخارجي على حد سواء والذي سيكون في عداد الخاسرين، وختم خطابه باستعارة من خطبة الإمام علي بن أبي طالب الشهيرة والمعروفة باسم الخطبة الجهادية التي تمثّل فتوى شرعيّة بأنّ الدفاع عن الحرمات هو فرض عين وليس فرض كفاية.
صحيفة التايمز الإنجليزية تقول أنّ مصادرها قد أكّدت لها أنّ الرد الإيراني سيكون مباشرًا وليس عبر حلفاء إيران (أو أذرع إيران) حسب قول الصحيفة، فيما تقول أيضًا أنّ إيران وضعت قوّاتها في حالة تأهّب قصوى، الأمر الذي أكّدته الجهات الرسمية الإيرانية التي رفعت راية حمراء.
متى ستضرب إيران ضربتها؟ هذا ما يصعب التنبؤ به، وربما يكون الرد قريبًا وقبل نشر هذا المقال، وقد يكون في المدى المتوسط، ولكن ما أصبح يعرفه المتابع للشأن “الإسرائيلي” الداخلي هو أنّ الأداء الإيراني قد أخذ يستنزف في أعصاب المجتمع “الإسرائيلي” والحكومة والجيش والأجهزة المخابراتية، ومعهم أنصارهم في عالمنا العربي الذين لم يعد بإمكانهم الحفاظ على مظهر الحياد السلبي، وإنّما ستضطرهم الحالة القادمة للإعلان عن حقيقة مواقفهم تجاه الحرب التي تشنّها دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني في غزّة، الأمر الذي نلاحظه في إعلامهم و سلوكهم على حد سواء لا بل في اكثر من ذلك، في الشعور السائد لديهم إثر الحراك الشعبي في أكثر من عاصمة عربية تبشر بربيع عربي حقيقي مختلف عن الربيع السابق، وهم الذين سيكونون في طليعة الخاسرين بغض النظر عن نتائج المعركة.